تساهم المدارس التعاقدية اليوم، وهي المؤسسات التعليمية العمومية المستثناة من القواعد الإدارية على الصعيد المحلي، في تغيير المشهد التنافسي بين المدارس الأميركية، سواء الابتدائية منها أو الإعدادية أو الثانوية. ومع أن أداء تلك المدارس تراوح بين الجيد والسيئ، وبين نجاحها في تطوير المخرجات التعليمية وتعثرها الإداري في بعض الأحيان، فإنه عموماً نجحت الصيغة التعاقدية في إدارة المدارس، والقائمة على منحها الاستقلالية مقابل خضوعها للمحاسبة، في تطوير التعليم بأميركا خلال الفترة التي جربت فيها المدارس التعاقدية. وفي مدينة لوس أنجلوس التي تتوفر على أكبر عدد من المدارس التعاقدية مقارنة مع أي مدينة أميركية أخرى، أصبحت هذه المدارس مفتاح النجاح لتحسين الأداء التعليمي لباقي المدارس الحكومية، وهو النموذج الذي يمكن تطبيقه في باقي المناطق والاستفادة من نتائجه لتطوير مستوى الطلاب والنهوض بالمنظومة التعليمية في أميركا. ولننظر فقط إلى منطقة لوس أنجلوس التعليمية، إذ من بين أكثر من 700 ألف طالب في ثاني أكبر منطقة تعليمية بالولايات المتحدة، لم يتخرج من المدرسة الثانوية سوى 44%، وحتى تلك النسبة تدنت فيما يتعلق بالطلبة اللاتينيين لتصل إلى 41% في صفوفهم. أما اليوم وفي ظل نظام المدارس التعاقدية الجديد، فقد تحسن أداء المدارس وارتفعت نسبة الخريجين بعدما أغلقت المدارس الفاشلة وشجعت تلك الناجحة. ولعل المثال الأبرز على ذلك مؤسسة "جرين دوت" التي تدير 12 مدرسة تعاقدية في لوس أنجلوس، حيث بلغت نسبة التخرج فيها 80%، حيث توجه أغلبهم إلى المعاهد المتخصصة، في حين التحق ثلثا الطلبة بالجامعات. وخلال الخمس سنوات المقبلة ستعمل "جرين دوت" على توسيع خدماتها لتصل نسبة المدارس التي ستديرها في لوس أنجلوس لوحدها إلى 8% من مجموع المدارس في المدينة. هناك أيضاً مؤسسة "كي. أي. بي. بي" التي تدير مجموعة من المدارس بالنظام التعاقدي الجديد، وقد لاقت نجاحاً باهراً في رفع مستوى الطلاب التعليمي وزيادة نسبة التخرج. وقد بدأت المؤسسة أعمالها بأربع مدارس أنفقت 12 مليون دولار على فتحها، ثم إدارتها في مدينة لوس أنجلوس. وتعتمد المؤسسة على نظام تعليمي قاس يلتحق فيه الطلبة بأقسام الدرس من الساعة السابعة والنصف صباحاً ولا يغادرونها حتى الساعة الخامسة مساء، كما أنهم يدرسون أيام السبت مرة كل أسبوعين، وتلزمهم المدرسة أيضاً بحضور الدروس في فصل الصيف مع التزام صريح من قبل الطلبة بالتعلم أكثر والانضباط في مسارهم الدراسي. والنتيجة أن أكثر من 80% من طلبة المدارس التي تشرف على إدارتها المؤسسة، نجحوا في الالتحاق بالجامعات في مختلف الولايات المتحدة، علماً بأن الجامعات الأميركية تتشدد في قبول الطلبة وتفرض معايير عالية للالتحاق. لكن ما الذي يجعل المدارس التعاقدية ناجحة إلى هذا الحد، في الوقت الذي لاقت فيه تجارب مدرسية أخرى فشلاً ذريعاً؟ وللإجابة عن هذا السؤال سعت المؤسسة التي أترأسها، وهي "كي. بي هوم سان أند أميركا"، والمعنية بقضايا التعليم في أميركا وسبل تطويره، منذ عام 2000 في تتبع مسار 90 مليون دولار استثمرتها المؤسسة في المدارس التعاقدية على المستوى الوطني. والخلاصة التي خرجنا بها بعد مراقبتنا لعمل المدارس التعاقدية على امتداد الولايات المتحدة، هي أن هناك خمسة عناصر أساسية تفسر التقدم الذي أحرزه الطلبة في مجال التحصيل العلمي. أهمها أن المدارس التعاقدية تركز قبل كل شيء على الطلبة وتحثهم على تحقيق معايير عالية من خلال التركيز على الدروس بشكل أساسي وعدم الالتهاء عن ذلك بأمور ثانوية مثل صباغة الجدران، أو تضييع الوقت في تبادل التهم وتحميلها للآخرين. وبدلاً من ذلك تقدم المدارس التعاقدية لطلبتها مناهج قوية ومكثفة عكس بعض النظريات التي تذهب إلى التخفيف من العبء الدراسي وتنتهي إلى إفراغ الطلبة من أي محتوى تعلمي وتدمير البنية المعرفية للأجيال المقبلة. وبعد ذلك تأتي عملية التقييم المستمر الذي يخضع له الطلبة والمدرسون على حد سواء. العنصر الثاني يتمثل في تغيير دور مدراء المدارس من مجرد مشرفين على المدرسين، يسيرون العمل اليومي لمؤسساتهم التعليمية، إلى مشاركين في وضع الموازنة الخاصة بالمدرسة وبلورة الخطط الدراسية مع الكادر التعليمي. وخلافاً للدور التقليدي لمدراء المدارس، يمنحهم النظام التعاقدي الجديد سلطات أكبر تخول لهم توظيف المدرسين وإقالتهم وتحديد الطريقة التي تصرف بها الأموال لتلبية احتياجات الطلبة. ويرجع السبب الثالث لنجاح المدارس التعاقدية إلى التخفيف من الكادر الإداري الذي كان يعمل في إطار النظام التقليدي ضمن ما يسمى بالمكتب المركزي الذي يسير المناطق التعليمية في مختلف الولايات الأميركية، بحيث تعتمد اليوم تلك المكاتب على أقل عدد من الإداريين الذين يستفيدون من الدراسات التعليمية الحديثة والتكنولوجيا المتوفرة للإنفاق على الأقسام الدراسية. أما العنصر الرابع فيكمن في تحسين المستوى الأكاديمي للطلبة من خلال الاعتماد على الممارسات التربوية التي أثبتت الدراسات والتجارب نجاعتها في تحفيز الطلبة ورفع مستواهم التعليمي مثل إحداث مدارس أصغر، والتركيز أكثر على تلقين مهارات القراءة والرياضيات، وتمديد اليوم الدراسي، ثم فرض زي مدرسي موحد. وأخيراً يُحاسب النظام التعاقدي الكادر المدرسي على نتائج الطلبة، بحيث إذا لم يحقق الطلبة النتائج المرجوة وظل المستوى التعليمي ضعيفاً، يتم إغلاق المدارس على الفور. إيلي برود ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب أميركي مختص في الشؤون التعليمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"