في صيف العام الماضي، صرح الرئيس بوش لبيل سامون محرر صحيفة "واشنطن إكزامنر" اليومية متكهناً باحتمال فوز السيناتور هيلاري كلينتون بمعركة الترشيح "الديمقراطي" لانتخابات 2008 الرئاسية، لما لها من حضور قومي على حد قوله، إضافة لاكتساب الترشيحات الرئاسية الأولية طابعاً قومياً. وليس ذلك فحسب، بل تتضاعف فرص احتمالات فوز المرشح القادر على جمع أكبر قدر من الأموال لصالح حملته كما يقول بوش. وربما يبدو هذا حكماً معقولاً في حينه، ولا يزال يحتفظ بصحته حتى الآن. غير أن الذي نلاحظه اليوم، أن باراك أوباما أصبح نداً حقيقياً لمنافسته هيلاري كلينتون حسب استطلاعات الرأي العام، كما أنه أظهر براعة كبيرة في جمع الأموال لصالح حملته. وفي أعقاب الظهور القوي الذي أظهره في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، فقد بدا أوباما المنافس الأكثر ترجيحاً واحتمالاً للفوز بمعركة الترشيحات الأولية عن الحزب "الديمقراطي". ومن ناحيتي فسأتفادى التكهن بأرقام ربما لا تكون صحيحة. غير أن الفوارق بين أوباما وهيلاري حسبما تظهرها وسائل الإعلام ضئيلة للغاية من حيث حصول كل منهما على تأييد مندوبي الحزب في الولايات التي جرى فيها التصويت سلفاً، وهي ضئيلة كذلك في إحصاء ميول الـ796 من مسؤولي وقادة الحزب المنتخبين -الذين تطلق عليهم صفة "كبار المندوبين"- الذين يصوتون وفقاً لاختيارهم ورغبتهم، وليس اعتماداً على توجيهات الناخبين. وفي الوقت الحالي يتقدم أوباما على هيلاري بنحو 70 مندوباً حزبياً من جملة الألفي مندوب الذين تم اختيارهم حتى الآن من خلال الانتخابات التمهيدية واللجان الحزبية. أما بين كبار مندوبي الحزب، فتتقدم عليه هيلاري بحوالي 100 من بين جملة 300 من هؤلاء الذين أعربوا عن تفضيلهم سلفاً لهذا المرشح أو ذاك. لكن بما أن احتمال تغيير أي منهم لموقفه في أي وقت أمر وارد، فإن من السابق لأوانه إحصاء أصواتهم في هذه المرحلة من السباق الانتخابي. ولكن يمكن القول إجمالاً بتقدم هيلاري نوعاً ما وبفارق طفيف على منافسها أوباما في هذا الجانب. وبما أن من المرجح اكتساح أوباما للسباق الانتخابي في كل من ميريلاند وفرجينيا وكولومبيا اليوم الثلاثاء، فإن من المتوقع أن تذيع شبكات الأخبار التلفزيونية أنباء فوزه وتقدمه نحو الترشيح الرئاسي بلا منازع للمرة الأولى بحلول ليلة الثلاثاء. وإذا كان نصيب أوباما من هذه الأصوات قد بلغ سلفاً في الولايات المجاورة نحو 2000 صوت، فإن من المفترض فيه أن يتمكن من رفع هذا العدد بحلول التاسع عشر من الشهر الجاري، عندما يتجه الناخبون في كل من ويسكونسن وهاواي إلى صناديق الاقتراع. ثم تلي هذه الولايات في الرابع من شهر مارس المقبل، معارك أوهايو وتكساس وفيرمونت ورود آيلاند. ومن ناحيتها تعتقد هيلاري أن ولايتي أوهايو وتكساس تمثلان ترياقاً واقياً لها من الهزيمة... غير أن علينا أن نرى ما إذا كان هذا الاعتقاد سيصمد عندما يتجه الناخبون فيهما إلى صناديق الاقتراع. ومن جانبي فإنني أشكك كثيراً في صدق ما تزعمه هيلاري، وأرجح تقدم أوباما عليها هناك أيضاً. والسبب أن أوباما سيتقدم عليها إعلانياً بسبب تفوقه المالي. والشاهد أن موقفه الانتخابي قد تحسن كثيراً بين الناخبين اللاتينيين والعمال البيض كثيراً، مع مضي معركة السباق الانتخابي التمهيدي. فهو ينوي توجيه رسالة بأنه بصدد تبني رؤية اقتصادية قوية من شأنها تضييق الفجوة لصالح محدودي الدخل من الناخبين. ووفقاً لتحليل اتجاهات الناخبين اليومي، الذي يجريه موقع "ديلي كوز" الإلكتروني القائم على المحددات الديموغرافية لمواقف القاعدة الانتخابية في ولاية أوهايو، فإن جميع الاحتمالات تشير إلى تمتع أوباما بفرص أفضل للفوز بأصوات ناخبي الولاية. وفيما لو فاز أوباما في ولايتي تكساس وأوهايو أو بأي منهما، فإن من المتوقع أن يتحسن موقفه الانتخابي كثيراً. وعليه أيضاً إحراز النصر في ولاية وايومينج في الثامن من مارس، وولاية ميسيسيبي في الحادي عشر من الشهر نفسه. وما بين هذه الأخيرة وانتخابات ولاية بنسلفانيا المرتقبة في الثاني والعشرين من إبريل المقبل، فترة طويلة من الوقت ربما يكون لها دور حاسم، لاسيما في تحديد المواقف النهائية لكبار مندوبي الحزب ومسؤوليه المنتخبين من المتنافسين في سباق الترشيح الرئاسي. وبما أن كبار مندوبي ومسؤولي الحزب يهمهم للغاية فوز حزبهم بالمنصب الرئاسي، فإن من المرجح تفضيل أغلبيتهم لأوباما على هيلاري كلينتون، وخاصة أن استطلاعات الرأي العام تشير إلى ملاءمة أوباما لخوض المعركة النهائية مع جون ماكين في شهر نوفمبر المقبل. وليس ذلك فحسب، بل إن اتجاهات الرأي العام نفسها، ليست في الواقع سوى أصداء وانعكاسات لمواقف كبار مندوبي الحزب ومسؤوليه المنتخبين. وهذا ما يدفعنا إلى الاعتقاد بتحول مواقف معظم هؤلاء لصالح أوباما في وقت مبكر بحلول الرابع من مارس أو الثاني والعشرين من إبريل المقبلين. ومع أنه لا يستبعد أن يتأخر هذا التحول حتى السابع من يونيو، إلا أن المؤكد أنهم سيحرصون على تفادي الظهور بمظهر من لا يأبه بالاتجاه العام لناخبي الحزب ومؤيديه، أو العراك فيما بينهم بشأن كيفية إحصاء أصوات الناخبين في اجتماعات الحزب "الديمقراطي" العامة في كل من ولايتي فلوريدا وميتشجان. وفوق هذا كله فإن في وسع آل جور ونانسي بيلوسي -وكلاهما من بين كبار مندوبي الحزب ومسؤوليه- أن يسديا معروفاً لحزبهما في حسم معركة ترشيحاته الرئاسية، فيما لو تقدما مبكراً وأعلنا عن تأييدهما لترشيح أوباما. وسيكون لمبادرة كهذه تأثيرها البالغ على سقوط بيت آل كلينتون مبكراً. ويليام كريستول كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"