ما كانت دولة الإمارات العربية المتحدة لتقوم ولينجح اتحادها النموذج لولا تكاتف وتعاضد أيدي وأكتاف مواطنيها، فكل مواطن قدر بسبب كفاءته أولاً وقبل كل شيء، وإن حدثت تجاوزات أو محسوبيات فلم تكن إلا استثناء يثبت القاعدة ويعززها. منذ عدة أشهر تدور في الأروقة أحاديث مفرطة في العصبية، وغريبة الوقع على آذان لم تعتد سماع مثل هذه الأقاويل أو التلميحات أو حتى الحديث الفج والسافر، فالعمل وسوقه لم يبحث خلف الإنسان وشجرة عائلته ليضمن له النجاح أو الفشل، إنها فكرة الإنسان بولائه لوطن واحد، وعمله الذي يؤطر هذا الولاء ويدعمه. هذه الأحاديث من شأنها أن تعطل كافة المشاريع التنموية والدينامية الباحثة عن إثبات ذات الوطن في سعيه المحموم نحو سلم المجد والتفوق. وليس الأمر أكثر من موازين قوى تُصاب بخلل أو ميلان لفئة دون أخرى، لكن حتى هذا الميلان يعد نذير قلق على بيئة الوطن الواحد، وكأن الوطن تحول إلى مؤسسات وغنائم يتم تقاسمها وفقاً لعصبية دون أخرى، وهذا من شأنه أن يسهم في تفتيت النسيج الاجتماعي المتماسك الذي تتمتع به الدولة. وفي المقابل تظهر عصبيات أخرى لمواجهة مثل هذا التوجه ليزداد اختلال الميزان الاجتماعي، وليزداد القلق بين أفراد شعب واحد لتصبح التحديات واقتسام النفوذ حالة من الهوس والضلال. يقول د. مصطفى حجازي في دراسة تحليلية نفسية عن الإنسان المهدور: "حين تتحكم البنى العصبية في وطن ما يتحول كيانه إلى مجرد وعاء شكلي معرض لشتى الأخطار الداخلية والخارجية، ذلك أن قوة الوطن ومنعته تتوقفان على درجة انصهار مختلف شرائحه وفئاته ضمن كيانه الذي يتجاوز كلاً منها". وهذا ما يمكن قياسه على لبنان والصومال والعراق وحالياً في مصر، حيث تسعى قوى الشر أن تبث روح التفرقة بين مسلمي مصر وأقباطها. وأزعم أن استدعاء نظرية المؤامرة هنا واجب، فلصالح مَن أن يتصاعد مثل هذا الدخان وتتسابق الأحاديث والمفاخر عن نسب دون آخر؟ للأمة أعداؤها، وللدولة بالذات أعداء يصعب عليهم رؤية مثل هذا التلاحم وهذا النسيج المتماسك اجتماعياً، وهذا النجاح المتواصل يوماً بعد يوم. وحتى لا يصبح الكيان الوطني قابلاً للانفجار في أي وقت ولا يتمتع بمناعة قصوى، لابد من مواجهة المروجين لمثل هذه العصبيات وهذا الهدر لمؤسسات الوطن وطاقات المواطنين وفرصهم بحيث لا يكون هناك محظيون وآخرون منفيين.. إنه الكيان الذي يعطي الجميع فرصة المساواة ما دام هناك مقياس للكفاءة وللانتماء الحر للوطن دون أي شيء آخر. قد يكون حديثاً قاسياً وصادماً لكنه يدور خلسة وعلناً، فذلك كان لابد من مواجهته ووضع سواتر مضادة لمثل هذه التفاعلات المفرطة في السوء والجهل في آن، وحتى تكون العملية دائماً لاسم الوطن وحده ونموه وكيانه المتماسك والقادر على صد كل محاولات الاختراق والتفتيت، لأن مثل هذه العصبيات تعني استعداء على كيان وطن أصيل وتقويض لمناعته وقدراته في الصمود والمقاومة.