أعلن في يناير 2008 أن فرنسا ستؤسس قاعدة عسكرية صغيرة في أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد تزامن ذلك الإعلان مع الزيارة التي قام بها للمنطقة الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" الذي وافق على تقديم المساعدة التي ستمكن دولة الإمارات من تطوير قدرات طاقة نووية مدنية خاصة بها. ومن المعروف أن فرنسا تعتبر من كبار الموردين للأسلحة المتطورة لدول الخليج والتي تشمل، طائرات مقاتلة، وصواريخ، ودبابات متطورة. والاتفاقية المذكورة أعلاه تعكس الاهتمام المشترك من جانب فرنسا ودول مجلس التعاون الخليجي، بتطوير التعاون الدفاعي في الوقت الراهن حيث تتسم الظروف الاقليمية بدرجة كبيرة من عدم اليقين بشأن الوضع في العراق، وتتزايد الهموم والمخاوف بشأن طموحات إيران الرامية لبسط هيمنتها على منطقة الخليج، كما تعكس أيضاً تصميم ساركوزي على جعل فرنسا لاعباً أكثر أهمية في البيئة الأمنية الخليجية، والسعي في الوقت نفسه من أجل تحسين مستوى التعاون بين فرنسا والولايات المتحدة بشأن طائفة من المسائل المتعلقة بالسياسة الخارجية والأمن القومي. ويمثل هذا في حقيقة الأمر تغييراً جوهرياً في السياسة الخارجية الفرنسية التي كانت تتميز بسيطرة التوجهات "الديجولية" عليها منذ ستينيات القرن الماضي. و"الديجولية" هي فلسفة سياسية تنسب إلى الرئيس الفرنسي الراحل الجنرال شارل ديجول، وتركز على السعي من أجل إبعاد فرنسا عن السياسات الأميركية، وعن العمليات العسكرية والتوجهات السياسية لـ"حلف شمال الأطلسي" (الناتو)، وتهدف بدلاً من ذلك إلى سياسة خارجية تتمحور حول فرنسا في الأساس، وقد كانت هذه السياسة دائماً محل جدل واختلاف مع حلفاء باريس التقليديين. ونظراً لأن "ساركوزي" يحظى بشعبية كبيرة في واشنطن في الوقت الراهن، فقد لوحظ أنه لم تكن هناك سوى تعليقات محدودة في أميركا على جهوده الرامية لتأسيس علاقات عسكرية وتجارية أقوى مع دول الخليج العربية. وهناك من الأسباب ما يكفي للاعتقاد بأن إدارة بوش سوف ترحب بدور فرنسي أكثر تعاوناً معها وأكثر إيجابية في المنطقة. ومن المعترف به في هذا السياق، أن فرنسا لا تستطيع بأي شكل من الأشكال أن تحل محل أميركا في القيام بدورها كمدافع عن دول المنطقة، وهو الدور الذي كان يتم اللجوء إليه غالباً بوصفه خياراً أخيراً. علاوة على ذلك، فإننا إذا ما نظرنا إلى ما وراء الأولويات الأمنية الحالية في العراق، فالحقيقة التي ستواجهنا هي أن حماية المداخل الدفاعية البحرية للخليج، وبحر العرب، والمحيط الهندي، ستكون لها أهمية إضافية للمنطقة، وللدول التجارية الكبرى المرتبطة ارتباطاً وثيقاً باقتصادات دول الخليج. فنظراً لأن الكتلة الأكبر من تجارة الخليج تعتمد على النقل البحري، فإن حماية الممرات البحرية من القرصنة والإرهاب والعدوان، ومن الدول المجاورة أيضاً، أصبحت تمثل أولويةً متقدمةً بالنسبة لتلك الدول الكبرى. في نهاية المطاف سوف يتطلب تحقيق هذه الأهداف مساهمات أكثر مباشرة من القوى الآسيوية الكبرى التي ستتعرض الكثير من مصالحها للخطر في حالة اضطراب الأحوال في منطقة الخليج. ومن المتوقع أيضاً أن يتحول تحقيق هذه الأهداف إلى مهمة تضطلع بها دول "الناتو" الأوروبية، والتي بدأت في استكشاف آفاق التعاون الدفاعي مع دول الخليج، في أعقاب قمة "الناتو" التي عقدت في اسطنبول في يونيو 2004 وإعلان ما عرف بـ"مبادرة اسطنبول الدفاعية". في تلك القمة تم الاتفاق على "أن الناتو جاهز للاضطلاع بمبادرة جديدة في منطقة الشرق الأوسط الكبير، لتقديم مزيد من المساهمات في الأمن الإقليمي والعالمي على المدى الطويل، مع المساهمة إلى جانب ذلك في تعزيز الجهود الدولية الأخرى". وليس هناك من حاجة للقول بأن الحديث عن الوجود العسكري الغربي في الخليج، قد قوبل بآراء مختلطة في المنطقة، كان أكثرها سلبية تلك التي عبر عنها الإيرانيون. فقد تم استدعاء السفير الفرنسي في طهران إلى مقر وزارة الخارجية الإيرانية، لتسليمه احتجاجاً رسمياً على سياسة فرنسا في الخليج، وزيادة الدعم الذي تقدمه لإسرائيل. وألمح المسؤولون الإيرانيون إلى أن فرنسا تتنافس تنافساً مباشراً مع الولايات المتحدة على النفوذ في المنطقة. ومن المعروف أن الإيرانيين يرون على الدوام بأن وجود القوى الخارجية يعد مصدراً لعدم الاستقرار- لا الاستقرار- في المنطقة. والمفارقة هنا، أو على الأصح النفاق المرتبط بهذا الموقف، هو أن التدخل العسكري الأميركي ضد حكومة "طالبان" في أفغانستان عام 2001 وضد صدام حسين في العراق عام 2003، كان هو السبب في الإطاحة بالتهديدين اللذين كانا يمثلان أكثر التهديدات خطورة ومباشرة على الأمن القومي الإيراني، وبالتالي فقد وفّر سقوط النظامين فرصة كبيرة لإيران كي تتدخل بدون قيود في شؤون تينك الدولتين وأعطاها نفوذاً أكبر فيهما. وإيران لديها من الأسباب ما يكفي للشعور بالقلق من سياسة فرنسا الخارجية الجديدة التي تتسم بالجرأة والثقة. فحتى أثناء حكم الرئيس جاك شيراك، كانت فرنسا هي العضو الأكثر نشاطاً داخل الاتحاد الأوروبي، فيما يتعلق بالسعي لوضع قيود على برامج إيران النووية. كما كانت أيضاً أولى الدول الأوروبية التي أخذت على محمل الجد التهديد الذي يمثله الراديكاليون الإسلاميون، وهو ما يرجع جزئياً للمشكلات الداخلية التي تواجهها في استيعاب أعداد كبيرة من سكانها المسلمين. ونظراً لعلاقات فرنسا الوثيقة مع لبنان، فإنها كانت صريحة في إدانتها لـ"حزب الله" وللمحاولات التي تقوم بها سوريا لفرض الهيمنة على تلك الدولة. تحت حكم الرئيس ساركوزي، يمكن لإيران أن تتوقع تعاوناً وليس تنافساً فرانكو- أميركيا أكثر متانة، وأن تتوقع بالتالي وجود جبهة أكبر أكثر تماسكاً تتصدى لسياسات إيران، سواء في مجال تطوير برنامجها النووي أو في مجال دعم المنظمات الراديكالية المعادية للغرب مثل "حزب الله" و"حماس".