لو زار مريض طبيبه الخاص وقال له: يؤسفني أن أبلغك بعد الفحص الشامل على صحتك بأنك مصاب بالتضخم في القلب والكبد، وبناء عليه لزم إخضاعك لدورة علاج دقيقة حتى تمر الأزمة عليك بسلام وعافية. الفعل المعاكس للمريض هنا لا يكفي أن يكون بروداً وتكاسلاً وتراخياً لا ينمُّ أن هناك قضية أو أمراً ذا بال قد وقع، وأن مجسات الطوارئ لديه يجب أن تستفز لإجراء المطلوب وفقاً لهذه المستجدات، وإلا كانت الظروف المقبلة للمصاب بهذا التضخم المزدوج صعبة الاستدراك بجرة قلم أو بصورة مقطعية دقيقة وشفافة تنمُّ بوضوح عن أصل الداء قبل بلوغه مرحلة التضخم القلبي والكبدي. حقيقة لسنا هنا في صدد تشخيص حالة مرضية لفرد في المجتمع، نحن أمام ظاهرة مماثلة بدأت تنخر في العمود الفقري لاقتصادنا المحلي، فالتضخم الذي لم يلتفت إليه المعنيون بالاقتصاد المزدهر للدولة لا يقل خطورة من الأثر عما ذكرنا عن وجع القلب وغيره من الأجهزة الحساسة في جسم الإنسان، بل هو أخطر من ذلك بكثير، لأن العلاج الفردي سهل في جميع الأحوال، أما البحث عن علاج مناسب للمجتمع ككل من ذات الداء أو الخلل الذي يفرزه التضخم فليس بالأمر اليسير، ولكن من الممكن تدارك آثاره على المديين المتوسط والبعيد. عندما نقرأ عن نسب التضخم باقتصاد الدولة والتي تتراوح الأرقام غير المستقرة بين 10% إلى 13%، فإن مقارنة هذه الإحصاءات المبعثرة مع دول أخرى في أميركا اللاتينية مثلاً كتشيلي التي تصنف على مستوى العالم بأقل دولة تعاني من نسب تضخم متدنية قاربت 3%، وهنا وجه الغرابة مع الفارق فيما نحن إليه ماضون في قطار التنمية المستدامة وهي المشروع الاستراتيجي في خطط الدولة لكل المراحل المقبلة من حياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأخطر مظهر يمكن ملاحظته لهذا المسكوت عنه هو فقد العملة قيمتها الحقيقية أمام العملات الرئيسية في العالم، كالدولار واليورو والجنيه الإسترليني، وهي العملات القائدة لمسيرة الاقتصاد العالمي، ويضاف إلى ذلك فقد آخر لهذه القيمة أمام العملات الآسيوية الرخيصة أصلاً إلى قرابة النصف أحياناً! فلو استرسلنا في ذلك لوجدنا أن موجة الغلاء الصاعد وإجراء التحليلات المنشورة والموحية بالصبر على ذلك إلى نصف عقد وأكثر حتى تستقر الأسعار، يلقي عبئاً آخر على الاقتصاد الذي تؤثر فيه قوة الشراء الاستهلاكي في عدم الوصول بالاقتصاد المحلي إلى درجة الركود الذي تشتكي منه اليوم أكبر دولة في العالم قوة في معظم مسارات مجتمعه، فكيف بنا ألا نقع في هذا الفخ الذي نراه أمامنا يومياً؟ فالملاحظ وسط هذا التضخم، أن آليات الاقتصاد التي تستخدم أحياناً لوضع كوابح نافذة لوقف زيادة نسب التضخم بزيادة الرواتب فقط، أمر يحتاج إلى إعادة نظر لأن مفعوله وقتي وسيزول مع تنامي موجات الغلاء الفاحش نحو الأعلى التي تتسبب في غرق تلك الزيادات الكريمة على صخور التضخم القاسية في أسفل قاع الاقتصاد الذي هو بحاجة إلى ضمانات أكبر لاستمرار النمو الحالي فيه كما هو معلن. من الضرورة الملحة الوقوف جدياً على ظاهرة التضخم المعترف به رسمياً لعدم السماح لها بالاستيلاء على قوت الموظف الذي لا يملك سوى راتبه الشهري الذي تتناقص قيمته الفعلية طردياً مع زيادة في نسب التضخم بالدولة، مقابل زيادة متلاحقة في أسعار كل شيء، فهلا نكشف المسكوت عنه في التضخم بالإجراءات الرشيدة من أجل سلامة سير الاقتصاد الوطني، ولا نقبل له ركوداً ولا تراجعاً عن نسب النمو العالية.