سلط تحقيق صحفي نشرته صحيفة "الاتحاد"، أمس الأول، الضوء على "بورصة" الدروس الخصوصية التي أصبحت تمثل "ظاهرة مقلقة" في الميدان التعليمي، وهذا القلق يتنامى بطبيعة الحال مع تنامي هذه الظاهرة واتساع رقعتها. ولاشك في أن لهذه الظاهرة تأثيرات سلبية خطيرة على العملية التعليمية من زوايا عدة: أولاها، الإخلال بـ"مبدأ تكافؤ الفرص"، حيث إن الطالب المقتدر مالياً هو مَنْ يمكنه الحصول على الدروس الخصوصية فقط بينما لا يجد محدودو الدخل سبيلاً إلى ذلك، خصوصاً في ظل الغلاء وارتفاع معدلات التضخم. وثانيتها، هدم ركن أساسي من العملية التعليمية وهو الركن الهادف إلى بناء شخصية الطالب، حيث إن الدروس الخصوصية تقوم على تلقين الطلبة كيفية حل أسئلة الامتحانات بهدف الحصول على معدلات عالية دون الاهتمام بتنمية قدراتهم ومعارفهم. وثالثتها، إضعاف علاقة الطالب بالمدرسة، حيث إن الدروس الخصوصية تعطيه مصدراً آخر للتعلم يمثل له مفتاح الحصول على المعلومة بطريقة تضمن له الحصول على أكبر معدل دراسي ممكن، ما حدا ببعض التربويين إلى إطلاق اسم "المدرسة الموازية" على الدروس الخصوصية. كما تؤدي الدروس الخصوصية إلى تقليل اعتماد الطالب على نفسه وضياع جزء كبير من وقت الطالب، ما يؤثر سلباً في مستواه ببقية المواد. ورابعتها، إضعاف إنتاجية المعلم وعدم اهتمامه بتوصيل المعلومة للطلاب داخل الفصل المدرسي، وذلك يرجع إما لرغبة في أن يدفع ذلك الطلاب للإقبال على الدروس الخصوصية، وإما لإرهاقه نتيجة الجهد المضاعف الذي يبذله في الدروس الخصوصية خارج أوقات الدوام الرسمي. كما أن الدروس الخصوصية تؤدي إلى تدني نظرة الطالب إلى المدرس، حيث ينظر إليه نظرة "تجارية بحتة" لا تتماشى مع نبل رسالة المدرس ورقي مهنة التدريس. وخامستها، إرهاق ميزانيات الأسر. هذه السلبيات الخطيرة التي تفرزها ظاهرة الدروس الخصوصية تحتم ضرورة مواجهتها بكل حزم، ولاشك في أن هذه المواجهة لابد من أن تتأسس على قاعدة إلغاء الظروف التي أدّت إلى هذه الظاهرة، وخلق بيئة تعليمية لا توفر الفرصة لظهور الدروس الخصوصية، وفي هذا السياق، يمكن القول إن ثمة أسباباً عديدة لتفشي هذه الظاهرة، ومن ثم، فإن مواجهتها بشكل حاسم تتطلب التعاطي معها بشكل أكثر شمولية، ولعل من أهم هذه الأسباب الطرق التقليدية للتعليم واعتمادها في المقام الأول على أساليب التدريس والامتحانات التقليدية، وعدم اعتمادها على أساليب متقدّمة في التقويم وتحديد المستوى العلمي للطلاب والطالبات بموضوعية، وما إلى ذلك من أسباب أدت في مجملها إلى لجوء الطالب إلى الحصول على دروس خصوصية، ولاسيما التدني اللافت للرواتب التي يحصل عليها مدرسو ومدرسات المدارس الخاصة، ما دفع شريحة كبيرة من المعلمين إلى الخروج عن القيم التربوية ورفع مداخليهم لمواجهة الالتزامات الحياتية عبر الدروس الخصوصية. ولا شك في أن وزارة التربية والتعليم تدرك هذه التأثيرات الخطيرة لظاهرة الدروس الخصوصية على أركان العملية التعليمية كافة، وهناك جهود بذلتها الوزارة بالفعل للتصدي لهذه الظاهرة، ولكن مواجهة هذه الظاهرة على النحو الفاعل والمستدام تستلزم تعاطياً أشمل معها، والمطروح في هذا السياق كأولوية أساسية، ضرورة إصلاح المناهج وطرق الامتحانات، والقضاء تماماً على "الفوبيا" المرافقة للامتحانات، وإيجاد منظومة تعليمية متكاملة قادرة على أن تقوم بواجبها على النحو الأمثل، ذلك أنه من الصحيح تماماً أنه إذا كانت المدرسة قادرة على إكساب الطالب المعارف التي يجب أن يحصّلها، فإن الطالب في هذه الحالة لن يلجأ إلى المدرسين الخصوصيين، والعكس صحيح. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية