في تقرير لـ"نيويورك تايمز" من مصر -نُشر يوم الجمعة 11/1/2008- تمت الإشارة فيه إلى احتدام المنافسة بين بعض الأشخاص الساعين إلى إثبات مدى "تديُّنهم"، وبدا ذلك في الاهتمام بإظهار "الزبيبة" على الجبهة كدليل على كثرة السجود، أو "التأهل" للتقوى ومخافة الله، أو للوصول إلى الحظوة، أو للفوز بمكانة أو معاملة أفضل، أو حتى للتأهل للحصول على وظيفة مناسبة. وظهرت في التقرير آراء سطحية من فتيات ما زلن في عُمر المراهقة؛ حيث قالت إحداهن: إن الزبيبة علامة صالحة ستُضيء جباههم يوم القيامة"، وهذا حكم تعميمي لا يجوز. ورجح التقرير أن "الزبيبة" تساعد الرجال في أن يجدوا أعمالاً. ويرى آخرون "أن الزبيبة دليل على "توق" المصريين لإظهار تديُّنهم". كما قال آخر: "تجري إشاعات عن عدة رجال يستخدمون الورق الرملي -على سبيل المثال- لتدكين لون الزبيبة"، ويحتدم النقاش بين أخوين.. ليقول أحدهما للآخر: "أنا أصلي لله.. لا لزبيبة على جبيني". (انتهى). في الواقع نحن لا نعلم لماذا تثار مواضيع غاية في السطحية عن المسلمين؟ ولماذا لا تركز التقارير الغربية على مسائل الديمقراطية والإصلاح السياسي أو الفساد الإداري والمالي، أو الاستئثار بمقدرات الشعوب؟ ولماذا لا يُجهد المسلمون أنفسهم في الحديث أو العمل على إسعاد مجتمعاتهم أو إسعاد الآخرين، وأن يوجهوا الشباب نحو الإبداع والإنتاجية والأخلاق الفاضلة بدلاً من التنافس حول تكوين "زبيبة" على الجبهة قد لا تقدم ولا تؤخر في مسألة التقوى والإيمان القويم؟ هنالك من يمتلكون "زبيبات" لكن أعمالهم لا تتطابق مع أخلاق الإسلام؛ فكم من تاجر نراه وقد كبرت لديه "الزبيبة" حتى صارت مثل "الكستناء"، نجده يسبّ الصبي العامل لديه بأقذع الكلمات، ونجده يغش في الميزان أو في مكونات المواد التي يبيعها. وكم من صاحب زبيبة نجده دائم الحديث عن الناس بالسوء، ويملأ الحقد قلبه؛ بل ونشعر بـ"تمثيله" لدور المؤمن أو الواعظ؛ تماماً كما تصور بعضهم الأفلام العربية. إن "إلهاء" الشباب العربي بهذا النوع من التصرفات ينم عن جهل، ويغذي التخلف ولا يخرج الشاب إلى المجالات الأوسع ليرى العالم بعيون أخرى. كما أن شغل وقت الشاب بتكبير وتضخيم "الزبيبة" والمحافظة عليها، يجعله مسلوب الإرادة، دائم التفكير في مدى صلاحيته -كإنسان- من واقع الزبيبة، وليس لكونه إنساناً مفكراً وصاحب عقل. حريٌّ بكل الكتل -في مصر- دراسة أسباب الوضع الاقتصادي وأسباب الانفجار السكاني، وشح الوظائف، وأسباب الهُوة السحيقة بين أصحاب الملايين وأصحاب خيال الملاليم. حريٌّ بالشباب دراسة تحويل بلدهم إلى جاذب للاستثمارات الخارجية على أسس اقتصادية حديثة، وتوفير مناخات النجاح لهذه الاستثمارات، والنظر في الضرائب وتحسين دخل الفرد، وتدعيم الحريات من أجل الحياة لا الخوض في ثقافة الموت. إن العبادة أمر إنساني خاص. ولا تكون أبداً في تطويل اللحى أو تقصير الثياب أو تخليق "زبيبة" أو حتى لبس النقاب؛ الذي جاء دخيلاً على المجتمع الإسلامي في العالم العربي. فكم من الأعمال السلبية والخارجة على الأخلاق تمارسُ تحت النقاب. وكم من المخالفات الشرعية تستشري وراء "الزبيبات". إن الإيمان الحقيقي يكمن داخل القلب.. ولقد رُوي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال ما معناه: "التقوى ها هنا"، وكان يشير إلى منطقة القلب. للأسف؛ المسلمون والعرب يحبّون الـ(Show) في كل شيء، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو حتى الدين. ولعل أول ما خرج الداعية عمرو خالد بلباسه الإفرنجي كان الاستهجان والرفض من بعض "الغلاة"؛ حتى أصبح الرجل "النجم الديني" الأول في العالم العربي، وتجمعت حوله أغلبُ نساء القبيلة (الجميلات). إن قضية الـ(Show) يجب أن يتدارسها علماء المسلمين بشكل جدي، وألا يدعوا الشباب العربي يضيع وسط الفتاوى والتوجهات حول الزبيبة أو الحجاب الذي يجعل الفتاة وكأنها تلبس "كفناً". إن تغطية الشعر والصدر يُمكن أن تتم بصورة حضارية وجميلة تؤدي الغرض الديني، تماماً كما هو صنع "الزبيبة"، فالسجود لله -كما قال أحد الشباب في التقرير المذكور- وليس من أجل "تخليق" زبيبة على الجبهة. ومتى فكّر المصلي أنه يجب الضغط على الجبهة باتجاه الأرض من أجل حقن الدم تحت الزبيبة أو الجبهة فإنه يفقد الخشوع؛ بل وأنا متأكد، أنه سيفقد التركيز على الآيات وتسلسلها أو التسبيحات في الصلاة. حيث سيكون له هدف واحد هو تكوين "الزبيبة". نحن في العالم الإسلامي نحتاج إلى صحوة تُخرجنا من الـ(Show) الإسلامي، والحديث الإسلامي يدعونا إلى أن "نأخذ زينتنا عند كل مسجد"، وتفسير العام بما نص عليه الخاص، فإن في الحديث دعوة بأن نأخذ زينتنا في الحياة كلها، وليس المسجد على الخصوص. والزينة تعني -ضمن ما تعني- النظافة وحسن اختيار الألوان والأناقة وإصلاح الهيئة، تماماً كما هي الزينة الداخلية -غير الملموسة- وهي نظافة القلب وطهارة الإحساس والجوارح. أنا لست مع "المظهرية" الإسلامية؛ وإن أغلب ما نراه اليوم من "موضات" تصدّرها لنا بعض الجماعات المتشددة -اليائسة من الحكم الديكتاتوري، أو الموتورة على الحياة ورموزها من الناجحين من العرب والأعاجم تحت ستار الدين- لن تستمر وتنمو؛ لأنها ضد حركة التاريخ، ولكن الإشكالية أن هذه الموضات تنتشر بين فئات الشباب المحبط واليائس والعاطل عن العمل، وبين الشابات المنتظرات الوظيفة لسنوات أو الزوج الصالح، كلاهما نادر هذه الأيام. نحن ندعو علماءنا الأفاضل إلى الحديث عن هذه "الموضات" التي تخرجُ عن مدلولات الدين لتكون "مَطية" اجتماعية لتحقيق أهداف معينة مثل العمل أو الزواج أو التباهي بالأخلاق؛ لأن العلاقة بين الإنسان وخالقه يجب ألا تكون محل تنافس أو تظاهر بين الناس؛ وهنالك من المصلين من قضى 50 عاماً يصلي ولا تظهر له زبيبة، أو لم يكن يهتم لذلك -لتركيزه على الصلاة وآدابها- فهل هذا مسلم أو مؤمن غير كامل؟ نأمل أن يصحو هذا الإنسان المكلوم من أزمته؛ ويقابل الحياة بإنجازات واختراعات وحب العمل والإنتاجية والتفاني في إنجاز عمله في وقته؛ بدلاً من انشغاله بالزبيبة؛ ولربما غداً بـ"البصلة".