خلال الجزء الغالب من العقدين الماضيين، راقب الأميركيون بكثير من مشاعر الإحباط رؤساءهم وأعضاء الكونجرس، وهم يحققون من العجز والعداء، أكثر مما يحققون إجماعاً سياسياً على أهم القضايا التي تواجهها أمتهم. أما نتائج هذا التعنُّت الحزبي فهي مخيفة، وفيما يلي نورد بعضاً منها على سبيل المثال فقط. فبعد مضي ما يقارب السبع سنوات على هجمات 11/9 لا تزال أميركا تعاني ثغرات أساسية في أمنها القومي، بينما أنهك جيشها وأصبحت البلاد عرضة لهجمات إرهابية كارثية. أما انهيار أحد الجسور الرئيسية في مينابوليس في شهر أغسطس الماضي، إلى جانب الدمار الهائل الذي تعرضت له مدينة نيوأورليانز، فيعكسان مدى إهمال المسؤولين الأميركيين لمشروعات البنية التحتية. وبين هذا وذاك، ظلت أسعار النفط على ارتفاعها، بينما لم تتمكن أميركا بعد من تطوير سياساتها الخاصة في مجال الوقود والطاقة. على أن الأسوأ من كل ذلك هو ما بدا الآن بمثابة خيانة لأهم المبادئ التي قام عليها الحلم الأميركي، الذي يَعِد الأجيال اللاحقة بحظ أوفر وأمتع في الحياة مقارنة بالأجيال السابقة. أما اليوم، فإن هناك 7 بين كل 10 أميركيين من الأجيال الشابة، يشعرون بأن حظهم من الحلم الأميركي سيكون أدنى بكثير من ذلك الذي تمتع به آباؤهم وأجدادهم. وعلى رغم تداخل عدة عوامل تسببت في هذا العجز، إلا أن المسبب الرئيسي له هو تفشي العنت الحزبي الذي شل واشنطن وأقعدها عن القيام بدورها وواجبها تجاه الأمة. ولهذا السبب، فقد انضممت أنا وزميلي السيناتور السابق ديفيد بورين، إلى 15 من المسؤولين العموميين من كلا الحزبين، بهدف مناقشة كيفية الخروج ببلادنا من مأزقها الحالي. وقد انصب اهتمامنا كله في تلك المناقشة، على الانتخابات الرئاسية الجارية حالياً. ومن رأينا أن أمام الرئيس المقبل -أو الرئيسة- فرصة وواجباً في آن، لمواجهة مرض الاستقطاب والعداء الحزبي هذا والقضاء عليه، ابتداءً من الحملة الانتخابية الجارية الآن. وقد خلصنا لاقتراح عدة خطوات تمهيدية من شأنها تحقيق الهدف المنشود. أولاها أن يلتزم المرشح الرئاسي بتشكيل حكومة ثنائية حزبية فعلية، على أن تعين فيها أعلى الكفاءات المهنية بصرف النظر عن انتمائها الحزبي. وترتبط بهذا، مواصلة الضغط على المرشحين الرئاسيين بحيث يبين كل واحد منهم الكيفية التي سيشكل بها حكومة وحدة وطنية حقة. وبما أن النتائج الملموسة هي الأهم من أي كلمات وشعارات، فقد تعهدنا بمواصلة الضغط على المرشحين الرئاسيين، بهدف دفعهم نحو وضع استراتيجيات محددة لخفض ظاهرة الاستقطاب الحزبي، والتوصل بدلاً منها لإجماع ثنائي حزبي تجاه مجمل أجندة التحديات القومية التي تواجهها بلادنا. ويقيناً فإنه لن يكون في وسع الرئيس المقبل فعل هذا الأمر بمفرده. فلابد له من تعاون المتسببين في هذا المرض الحزبي من أجل علاجه. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، فإنه لابد للكونجرس من أن يعمد إلى إصلاح وتحديث تشريعاته السابقة الخاصة بتمويل الحملات الانتخابية، التي كان قد أصدرها إثر فضيحة "ووترجيت". وعلى وسائل الإعلام أن تلح على تسليط الحوار الانتخابي على قضية أساسية واحدة هي: مدى جدية ومصداقية المرشح المعين فيما يطرح من قضايا والتزامات. وفي الوقت نفسه يتعين على الأحزاب السياسية -وخاصة الحزبين الرئيسيين- إصلاح نظام الترشيح الرئاسي التمهيدي المعطوب الساري حالياً. فالبديل المطلوب هو نظام أفضل وأكثر قدرة على تمكين جميع الأميركيين من ممارسة دورهم في انتخابات عام 2012 المقبلة. ومن جانبي فإنني أفضل أن تجرى انتخابات تمهيدية إقليمية أربعة فحسب، تجرى بفارق ثلاثة إلى أربعة أسابيع بينها، خلال الفترة الممتدة من شهر يناير وحتى إبريل. ثم ينبغي إرشاد وتوعية الناخبين أنفسهم بأهمية الأصوات التي يدلون بها في تقرير حياتهم ومستقبل بلادهم. ويتطلب إنجاز هذا الواجب تعريف كل واحد من المصوتين بقوة وتأثير صوته الانتخابي، وبالأهداف التي يصوت من أجلها لصالح هذا المرشح أو ذاك، بحيث تكون الأولوية في الإدلاء بالصوت الانتخابي، لصالح المرشح الأكثر قدرة -استناداً الى مواقفه وبرنامجه الانتخابي، وليس مجرد ولائه الحزبي- على خدمة الأهداف والأجندة العليا للبلاد. وكما نرى فإن هذه التوعية ينبغي أن تدور كلها حول أهمية إدراك الناخبين لتأثير مشاركتهم في العملية السياسية لبلادهم. ويقيناً فإن الديمقراطية لم يحدث لها أن كانت حلبة للفرجة السياسية يوماً من الأيام. هذا وتؤكد شواهد التاريخ أن الثنائية الحزبية ليست أمراً مستحيلاً في بلادنا. فخلال الأربعين عاماً التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، تعاون أربعة رؤساء "ديمقراطيون"، وخمسة "جمهوريون" يداً بيد مع الكونجرس الذي تألف خلال العقود الأربعة نفسها من أعضاء من كلا الحزبين، على احتواء الاتحاد السوفييتي وتعزيز قوة ومكانة العالم الحُر. واليوم في وسعنا أيضاً إحياء هذا التراث السياسي الصحي المعافى، شريطة أن نبدأ أولاً باستئصال ورم العداء الحزبي الخبيث. وها قد حانت اللحظة التي تعين علينا فيها الإمساك بمبضع الجراح والبدء في الاستئصال، بدلاً من حقن الجسد الأميركي بالاستقطاب السياسي المسموم. بوب جراهام ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سيناتور ديمقراطي سابق من ولاية فلوريدا 1987- 2005 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"