أرجو ألا يذهب البعض بعيداً في تفسيره لـ "عام الهوية الوطنية"، فقد بدا واضحاً من طرح البعض لهذا الموضوع، وكأن عام الهوية الوطنية يعني عام الانغلاق على النفس ورفض الآخر! فليس هذا المقصود بل العكس تماماً، فكل ما يحدث على أرض الإمارات هذه الأيام، يؤكد على أن الحفاظ على الهوية الوطنية لا يعني الانعزال عن الآخر، ولا يعني محاربته أو التقليل من شأنه بل الاستفادة من تجاربه وخبراته. لا أحد يمكن أن ينسى أن لنا هويتنا وثقافتنا الوطنية التي تفرض علينا وطنيتنا المحافظة عليها ونشرها، وفي نفس الوقت أمامنا الثقافات العالمية التي يجب أن نتعرف عليها ونستفيد منها، فالفعاليات الثقافية والمعارض التي تقيمها هيئة الثقافة والتراث في أبوظبي لفنانين عرب وأجانب، وكذلك الأمسيات والمحاضرات والعروض المسرحية والحفلات الموسيقية التي تنظمها هيئة السياحة في أبوظبي... كلها تؤكد أن هناك تقبلاً وترحيباً بالآخر، وأننا في مسألة الهوية الوطنية هناك ثلاث نقاط في غاية الأهمية، يجب أن ننتبه إليها كمواطنين؛ فنحن مطالبون بالمحافظة على هويتنا الوطنية وبنشر ثقافتنا المحلية وأخيراً مطالبون بالتفاعل مع الثقافات الأخرى. الإمارات تشهد نقلات نوعية وانفتاحاً كبيراً على الصعيد الاقتصادي، هذا الانفتاح كان له تأثير مباشر على الثقافة المحلية وتأثرها بالثقافات الأخرى التي انتقلت إلى مجتمعنا مع انتقال قادمين جدد إلى الإمارات من دول مختلفة، الأمر الذي صار يحتم على المواطنين بذل جهد أكبر في الحفاظ على الهوية الوطنية من خلال نشر مكونات وعناصر هذه الهوية بين جميع شرائح المجتمع. المواطنون منهم وغير المواطنين فمن المهم أن يعرف من يأتي إلى الإمارات هوية هذا البلد وثقافة أهله. ويجب ألا يفوتنا أن المرحلة التاريخية التي نمر بها مهمة بالنسبة إلينا، فالظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها الدول العربية والإنجازات التي حققتها الإمارات في زمن قياسي تجعل الغربيين والشرقيين يطرحون عشرات التساؤلات، ويبحثون عن إجابات متنوعة حول المجتمعات العربية، وبما أن العدد الأكبر من الأجانب يعيشون في الإمارات، فيهمهم أن يعرفوا ثقافاتها وطريقة حياة أهلها ونمط تفكيرهم. لقد أصبح الآخر في الشرق والغرب يحاول معرفة المزيد عن العرب، وهذا أمر مهم يجب استثماره والاستفادة من ثورة الاتصال والمعلومات لتحقيق تواصل فعال مع المجتمعات العالمية. فيجب أن نستغل الإنترنت الذي أصبح الوسيلة المثلى للتواصل بين البشر في جميع أنحاء العالم، كما يجب الاستفادة من القنوات الفضائية التي حولت العالم إلى قرية صغيرة، وصار البشر يستقون أغلب معلوماتهم من هذه الوسيلة ويحددون مواقفهم من خلال ما يرونه على شاشات الفضائيات. ومن خلال هاتين الوسيلتين عرفنا الكثير عن العالم، ولكننا للأسف لم نستخدمهما بالشكل الذي يعرف العالم من خلالهما المجتمع الإماراتي وعاداته وتقاليده. حتى لا نتورط في فوضى في مسألة "المحافظة على الهوية والوطنية" ونفاجأ بتفسيرات متفاوتة لهذه المسألة وأحياناً تفسيرات غير دقيقة يجب أن ننتبه إلى أن هناك وجهين لمسألة الحفاظ على الهوية الوطنية في مجتمع كالإمارات: الوجه الأول لعام الهوية الوطنية هو تمسك أبناء الوطن بهذه الهوية والمحافظة على أدق تفاصيلها. أما الوجه الآخر للحفاظ على هذه الهوية، فهو النجاح في نشر هذه الهوية والثقافة بين جميع أبناء الجاليات ممن يعيشون على أرض الإمارات وبين شعوب العالم، وبين أكبر عدد من الناس. إذا أردنا أن ننجح في المحافظة على هويتنا، فعلينا أولاً أن ننجح في الحفاظ على ثقافتنا، وإذا نجحنا في الحفاظ على ثقافتنا، فيمكننا بعدها نشر هذه الثقافة والخروج بها إلى العالمية. فكما أصبحت الإمارات واحدة من الدول المهمة اقتصادياً على الصعيد العالمي، فإننا يجب أن نعمل على أن تكون ثقافتنا عالمية أيضاً وهذا الظرف الذي نمر به اليوم من اقتصاد قوي وثقة عالمية بالإمارات وبإنجازاتها، يجعل من السهل أن نطلق ثقافتنا من أساس قوي، وأن يأتي هذا الإطلاق بنتائج جيدة وربما سريعة. وقبل أن ننطلق إلى العالمية، وإلى أن نرسخ أنفسنا محلياً، فمن المهم أن تكون مسألة المحافظة على الهوية الوطنية والثقافة المحلية مسألة منظمة ومخطط لها بشكل سليم، فما يحدث اليوم شيء من اثنين إما اجتهادات فردية لا يكتب لها الاستمرار، أو محاولات رسمية عشوائية في الحفاظ على الهوية والاهتمام بالثقافة، وفي كثير من الأحيان بسبب عدم التنسيق، نلاحظ تضارب الجهود وتكرارها في مجال واحد وتجاهل في مجالات أخرى مهمة. هناك نقطة في غاية الأهمية في مسألة الثقافة المحلية والهوية الوطنية أردنا أن نتجاوز بها حدود المحلية، فإنه لابد أن نقتنع بأن المسألة الثقافية هي فعل إنساني وليس قوميا أو عرقيا، أو فعلا خاضعا لمنطقة جغرافية أو فئة من البشر، لذا فإن تطور أي ثقافة لا يمكن أن يكون إلا إذا تفاعلت هذه الثقافة مع غيرها من الثقافات وأخذت منها وأعطتها. وإلا فستبقى هذه الثقافة محصورة في فئة معينة في فضاء محلي ضيق لا يعرف عنه أحد في العالم أي شيء. وهنا نؤكد أنه إذا أرادت أية ثقافة أن تنتقل إلى خارج حدودها، فيجب أن تدرك وتتقبل بأن هناك ثقافات أخرى ستدخل في حدودها ويجب أن تكون مستعدة لتقبلها. وللأسف، فإن هذا ما يقاومه بعض "المحافظين" في مجتمعاتنا الذين يرفضون الآخر بشكل مطلق ويبالغون في الخوف على ثقافتنا من الذوبان في الثقافات الأخرى إذا ما تلاقت معها... أما الهوية الوطنية، والتي هي بمثابة العلامة الفارقة بين شعوب هذه الكرة الأرضية، فمن المهم أن تبقى محافظة على خصوصيتها. أخيراً، فإن المحافظة على الهوية الوطنية يعني تعزيز معاني الولاء للوطن. وتعميق المعرفة بتاريخ الوطن وجغرافيته. الهوية الوطنية في أن يعرف الإنسان تاريخ أرضه وتاريخ أجداده وما قدموه من تضحيات كبيرة من أجل بناء هذا الوطن والحفاظ على هذه الأرض. فماذا فعلنا من أجل ربط الأجيال بأرضهم وتاريخ أجدادهم الذين عاشوا منذ مئات السنين على هذه الأرض؟ اعتقد أن ما تم إلى اليوم ما هو إلا جهد يحتاج إلى مضاعفة وتكثيف.. فبالكاد يعرف شباب اليوم تاريخ الإمارات منذ قيام الاتحاد، أما قبل ذلك فلا وجود له في ذاكرتهم أو علمهم!