نشرت صحيفة كويتية تحقيقاً على حلقات عن ما يطلق عليه "الجنس الثالث" في الكويت، وكان التحقيق عبارة عن تنفيس لهؤلاء الذين وجدوا صحيفة كويتية تعبر عن ما بداخلهم. ما حرك الموضوع هو القانون الذي أصدره مجلس الأمة في الكويت حول ظاهرة التشبه بالنساء، ومنح القانون رجال الأمن الحق في الاعتقال، فقامت الشرطة الكويتية باعتقال بعض من تجمعات الجنس الثالث وأودعتهم مراكز الحجز. تشير بعض الدراسات إلى أن الكويت تشهد تناميا لأعداد المنتسبين للجنس الثالث. والجنس الثالث هو ما أسمية الجنس الحائر حيث لا يمكن تحديد هويته النوعية؛ إما لأسباب بيولوجية أو لأسباب نفسية واجتماعية. ووفقاً للمتابعين فإن معظمهم يعانون من أزمات نفسية وليست بيولوجية، وهم ضحايا التربية والمشاكل الأسرية. إننا إذن بحاجة إلى فهم أسباب انتشار هذه الظاهرة. منذ فترة نشرت الصحف الكويتية خبر تشابك بالأيدي بين ما يطلق عليه "البويات"، وهن فئة من الفتيات المتشبهات بالرجال، حيث نشبت خلافات بينهن وأدى ذلك إلى تشابك بالأيدي. قانون المجلس الجديد لا يعاقب الفتيات المتشبهات بالرجال، ولا نعرف لماذا فقط استقصد الرجال المتشبهين بالنساء وإن كنا لا نتفق مع القانون نهائياً حيث أنه لا يعالج الظاهرة بقدر ما يزيد من المنتسبين لفئة الجنس الثالث. هذه الظواهر تتصف بحساسية كبيرة ومناقشتها بحاجة لتفهم كي لا نقع في المحظور، فنحن لا ندعو للإباحية بقدر ما نتحدث عن ظاهرة إنسانية عرفتها البشرية منذ الخليقة، وهي ليست ظاهرة كويتية وإنما عالمية، وتتفاوت المجتمعات في التعامل معها؛ فهناك من سن القوانين لتنظيم العلاقة بين هؤلاء، وهناك من يعترض عليها ويرفض حتى الاعتراف بها والتعامل معها كأنها غير موجودة. لم تكن هناك حدية في التعامل مع هذه الظاهرة في الكويت، فقد كانوا متواجدين ويقيمون حفلاتهم في كل يوم جمعة، ويذهب الكثيرون لمشاهدتهم، لكن تغيرت الأحوال وتحولت إلى خانة التحريم وأخذت تقع تحت معاقبة القانون. بحكم اهتماماتي العلمية كأستاذ لعلم الاجتماع، فقد استطعت أن أتعرف على الظاهرة وأتلمس المشكلة والخلل. هذه الفئة تنتمي لكافة الشرائح الاجتماعية، ففيهم من الأغنياء والطبقة الوسطى، وفيهم من يعيش الضياع، وفيهم من يعيش تصدعاً أسرياً، وفيهم من يتحدى بسلوكه سلطة الأسرة... لكنهم جميعاً ضحايا وبحاجة إلى تفهم ومساعدة نفسية لكي يتعرفوا على حقيقة أوضاعهم. علينا أن نتفهم أن مجتمعاتنا تتعرض لتغييرات وهزات كبيرة بفعل الفضائيات وتطور تقنية الإنترنت، وأنه لا يمكن تجاهل حجم وضخامة التغير وأثره على الشباب. والأسلم لنا جميعاً التعامل مع الموقف وفق واقعية وشجاعة وليس التجاهل وترك المشكلة تكبر حتى نجد أنفسنا غير قادرين على التعامل معها. مجتمعاتنا مصابة باضطراب النكران والتجاهل والتعالي، فهي مجتمعات تفضل التخفي وممارسة ما تريد بعيداً عن عين المجتمع، وهذا التوجه العام يصيب الكثيرين بارتجاج في منظومة القيم ومن ثم يتعرض الفرد إلى فوضى عارمة ويجهل الطريق ويجد نفسه في حالة تناقض صارخة غير قادر على حل الصراع الذي يعيشه. وجود هذه الظاهرة لا يعني الانحراف والتفسخ، فهي بنهاية الأمر اضطراب بحاجة إلى مواجهة عقلانية وتعامل وفق العلم والعقل. في الحالة الكويتية لم نجد من يسجل اعتراضه على القانون، وقِبل الجميعُ بالقانون خوفاً من الاعتراض عليه، لكي لا يوسموا بصفات التغريب، وكأن الغرب فقط هو من لديه مثل هذه الظواهر. لا أجمل من أن نكون منسجمين مع أنفسنا وان نقترب من الواقعية بدلاً من ممارسة النكران والتجاهل لظواهر إنسانية