تحتاج أميركا إلى تطوير سياسة رشيدة لمكافحة الإرهاب لسبب رئيسي، وهو أن كل ما نفعله تقريباً يؤدي إلى نتائج عكس ما كنا نأمله. فأفعالنا ومواقفنا تؤدي إلى خلق مزيد من الإرهابيين المسلمين، وتشجع المعتدلين من هؤلاء المسلمين على اتخاذ موقف سلبي تجاه هؤلاء الإرهابيين وعملياتهم. وعندما تقول إدارة بوش إن استخدام التقنيات والأدوات التي تقلص من حرياتنا المدنية في الداخل، وتؤثر على سمعتنا في الخارج كان أمراً له ما يبرره من أجل إيقاف الهجمات الإرهابية... فإن ذلك زعم غير مقنع لسبب وهو أن استخدام تلك التقنيات والأدوات لم يكن سوى رد تكتيكي على تهديد استراتيجي، فهي -التقنيات والأدوات- وإن كانت قادرة على إيقاف الهجمات العَرَضية فإنها لا تعالج الموضوع الجوهري. ما لم نتمكن من إيجاد الطرق التي يمكن لنا بها مواجهة، ليس فقط الهجمات وإنما الحركات التي تقوم بها والأسباب التي تؤدي إلى توالدها، فإننا لن نستطيع وضع نهاية لهذه المشكلة. لا تفهموا من ذلك أنني أدعو إلى التوقف عن محاولاتنا اللازمة لاكتشاف وتعطيل المؤامرات الإرهابية، لأن ما أود قوله في الحقيقة هو أن مفتاح النجاح الطويل الأمد ضد المسلمين المتطرفين، يكمن في إضعاف أعدائنا، وتمكين أصدقائنا المعتدلين في العالم الإسلامي في الوقت ذاته، وذلك عبر تعزيز صلاتنا الاستخبارية مع هؤلاء الأصدقاء كخيار أولي في هذا المجال. لكن يجب أن نعرف أنه من الصعب علينا الاحتفاظ بعلاقات استخبارية متينة ومثمرة، مع أي دولة إذا ما كانت العلاقة بيننا وبين تلك الدولة غير قوية أو لا تقوم على أساس من الاحترام المتبادل. وأشير في هذا السياق إلى أن نمط استجابتنا بعد أحداث 11 سبتمبر، كان سبباً في انقلاب الكثير من أصدقائنا ضدنا. وعندما نعيد بناء تلك العلاقات والتحالفات التقليدية ونعززها، فإن روابطنا وصلاتنا الاستخبارية ستتحسن بدورها وستتحسن معها قدرتنا على محاربة الإرهاب. ففي بيئة إرهابية تتجه بشكل متزايد إلى عدم المركزية، فإن زملاءنا في أجهزة الاستخبارات التي نقيم معها روابط واتصالات، سيكونون أكثر قدرة على اختراق المنظمات الإرهابية التي توجد في بلدانهم. قد يحتاج الأمر لسنوات طويلة حتى يمكننا تقليص ما يحظى به الأصوليون المسلمون من جاذبية، وتخليص المعتدلين من السلبية في بلدانهم. وعندما يدرك هؤلاء المعتدلون أن الراديكاليين يشكلون تهديداً لهم فإن ذلك سيكون بداية خسارة الراديكاليين. ومثل هذه الخسارة يمكن أن تحدث بسرعة تشبه تلك التي انقلب بها المسلمون السنة ضد تنظيم "القاعدة" في العراق عام 2007. بيد أنه يجب التنبه في هذا السياق إلى أن العراق سيظل مشكلة تواجه مساعينا من أجل تحقيق هدف زيادة الروابط الاستخبارية مع أصدقائنا؛ فطالما ظل جيشنا هناك فسنكون سبباً في استثارة غضب الراديكاليين الإسلاميين وشكوكهم تجاه أي تحركات نقوم بها. أما حديث بوش عن جلب الديمقراطية إلى الشرق الأوسط، فلن يفيد كثيراً في هذا المجال، لأنه سيتم النظر إليه على أنه يمثل في حد ذاته دليلاً على مطامع الاستعمار الغربي في المنطقة العربية، كما لن يحول دون توجيه اتهامات لنا في أي مكان نذهب إليه، ومنها تهمة ممارسة التسليم غير القانوني للأشخاص إلى دول أخرى، ووجود سجون تابعة للـ"سي.آي. إيه" في الخارج، واستخدام طرق غير قانونية ووسائل تعذيب ضد السجناء، علاوة على المحاكم العسكرية ومعتقل جوانتانامو. يعني ذلك أننا لن نستطيع التعامل مع المسلمين من خلال أسلوب الإملاء، أي تحديد الطريقة التي يجب أن يتصرفوا بها، بل الأفضل لنا من ذلك هو أن نعمل على ترتيب بيتنا من الداخل عبر إعادة الحقوق المدنية الكاملة للأفراد، والتوقف عن ممارسة "تقنيات الاستنطاق المشددة"... فعندئذ فقط سنستطيع تقديم أنفسنا للعالم الخارجي كنموذج يحتذى. بسبب التاريخ الطويل لعلاقاتنا الدبلوماسية والتجارية والتعليمية مع العالم الإسلامي، كان من الطبيعي أن يكون لدينا العديد من الأميركيين الذين يعرفون الكثير عن الإرهاب وعن الإسلام. ويمكن لهؤلاء أن يكونوا ذوي فائدة ونفع كبير في مواجهة الإرهاب، وكل ما نحتاجه هو أن نستمع إليهم ونتعلم منهم في ظل مناخ ملائم وبطرق لا تؤدي إلى تخويفهم وتنفيرهم من تقديم المساعدة. وأخيراً هناك نقطة أخرى مهمة، وهي أن برامجنا المحلية لمقاومة الإرهاب تركز على ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر فقط، مما يطرح السؤال: ما الذي سنفعله من أجل حماية بنيتنا التحتية التي تزداد انكشافاً على الدوام؟ رغم أننا نخوض حربنا الأخيرة ضد الإرهاب في عالم يتغير بسرعة، فإننا أنشأنا جهازاً غير فعال ومترهل للأمن الداخلي، وعهدنا إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي بالمهمة الرئيسية عن حماية أمننا من الإرهاب، رغم أنه ليس سوى منظمة لفرض القانون لا تتمتع بالثقافة ولا بالهيكلية التي تمكنها من أداء مهام مكافحة الإرهاب. إننا لا نزال بحاجة، رغم كل ما فعلناه في هذا الصدد، إلى جهاز يضطلع بمهمة الأمن الداخلي على غرار جهاز الاستخبارات البريطانية الداخلي المعروف (إم آي 5). ولكي نحقق ذلك، يجب علينا أن نعرف أن أمامنا الكثير من العمل، وليس لدينا أي وقت كي نضيعه. هافيلاند سميث ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المساعد التنفيذي ورئيس هيئة مكافحة الإرهاب بمكتب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"