يفصل بين خطاب الرئيس الأميركي بوش الصغير في إمارة أبوظبي يوم 13 يناير 2008، وخطاب الرئيس الإيراني نجاد المتطرف في إمارة دبي في 13 مايو 2007، نحو تسعة أشهر فقط، وكل منهما كان أول رئيس لدولته يزور دولة الإمارات العربية المتحدة وهو في سدة الحكم. وقد اختلف الحاضرون والمستمعون في كل خطاب، حيث ألقى الأول خطابه بدعوة من مركز بحثي استراتيجي مرموق هو "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" حضره مدعوون من مختلف الجنسيات والأعراق، وكان حديث الثاني بدعوة من إمارة دبي، وقاصراً على الجالية الإيرانية في دولة الإمارات، غير أنه كان لكل منهما رسائل أراد إبلاغها لمن يهمه الأمر، تخطت حدود المكان والزمان والأطراف المباشرين. ورغم اختلاف الظروف التي واكبت كل زيارة، وأن كلاً منهما يمثل كتلة من المحافظين تختلف في رؤاها عن الأخرى، بل وتتصادم في أحيان كثيرة، ورغم الفارق الزمني بين الزيارتين، فإن مضمون الخطب والتصريحات والأحاديث التي صدرت عن كل منهما أثناء الزيارة قد تقارب بشكل كبير، وفي كثير من القضايا والمواقف تطابق بطريقة فاقت كل التوقعات. فكلاهما حرص على مخاطبة شعوب المنطقة وتوجيه رسائله إليها، في محاولة لتحسين صورته وصورة دولته الملتبسة لدى الرأي العام الخليجي والعربي والإسلامي، وفي الوقت ذاته توصيل رسالة للآخر يؤكد فيها تمسكه بعدائه وإصراره على ملاحقته. كما اتفق الاثنان، بطريقة غير مباشرة، على تجنب الحديث عن الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) التي تحتلها إيران: نجاد لخشيته مواجهة الحجج القوية لدولة الإمارات التي تثبت صحة ملكيتها للجزر، وبوش لأنه لم يجرؤ على الحديث عن هذا الاحتلال لتورطه في احتلال دولة عربية هي العراق. أما بالنسبة للعراق، فقد اتفق الرئيسان على ضرورة العمل على تحقيق مصالحة وطنية بين كل أطياف الشعب العراقي، والاضطلاع بدور مؤثر لإحلال الأمن هناك، على أن تظل للشيعة اليد الطولى في الحكم، ويكون لطهران الكلمة العليا في اختيار رئيس الحكومة، وهنا نتذكر موقف إيران من رئيس وزراء العراق الأسبق إياد علاوي، رغم مساندة واشنطن له، كما تُجري إيران محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة في بغداد بشأن الملف العراقي. أما فيما يخص البرنامج النووي الإيراني، فإن الرئيس الإيراني استغل وجوده في دولة الإمارات ليؤكد عجز القوى الكبرى عن منع إيران من مواصلة برنامجها النووي، وقد اتفق معه الرئيس الأميركي، فلم يشر إلا إشارة عابرة إلى البرنامج النووي الإيراني، فيما توسع الحديث عن دعم إيران للإرهاب، وهي تهمة يسهل على طهران التنصل منها. لكن الرئيسين سعيا إلى إزالة المخاوف الخليجية من التوجه النووي الإيراني سواء من ناحية امتناع واشنطن عن ضرب إيران، أو تعهد طهران بأن يكون البرنامج سلمي الطابع. ولقد اتفق الرئيسان على وجود تهديدات مختلفة لأمن واستقرار الخليج، مع فارق وحيد هو نظرة كل منهما لهذه التهديدات؛ فالوجود العسكري الأميركي في المنطقة يقابله سعي إيران لفرض هيمنتها على المنطقة ومحاولتها امتلاك أسلحة دمار شامل. وفي حين دعا الرئيس الإيراني نجاد، الإيرانيين في الخارج إلى استثمار أموالهم داخل إيران والمشاركة في بنائها وإعمارها، وتحويلها إلى "نموذج" بين دول المنطقة، دعا الرئيس الأميركي بوش حكومات دول المنطقة إلى استثمار جهودها في التحول الديمقراطي مع الحفاظ على خصوصية دول المنطقة، وأن يشاركوا في إعمار العراق ليكون "نموذجاً" كذلك. وكان الرئيس نجاد قد طالب الإيرانيين المقيمين في الخارج بأن يكونوا سفراء للثقافة الإيرانية الإسلامية السامية، وأن يقدموا نموذجاً عن الإنسان الشامخ، وهو الأمر الذي يقوم به الحرس الثوري الإيراني بكل دقة وجدارة، واتفق معه الرئيس الأميركي عندما اعتبر أن إيران تدعم الإرهاب في العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين، لأن الأداة الإيرانية في التنفيذ هي الحرس الثوري الذي يحافظ على نشر الثورة ويتمسك بعزة إيران وتطورها ولديه "إيمان إلهي مقدس"، وفق ما صرح به نجاد. ويرى الرئيس الإيراني أن الأعداء يسعون إلى خلق الفرقة والنفاق بين شعوب المنطقة، ويبغون إثارة الفتنة والشقاق وصنع الثغرات بين هذه الشعوب للسيطرة على ثرواتها، وقد برز تأييد الرئيس بوش لذلك، مؤكداً أن إيران بسعيها الحثيث لزعامة الشيعة وبث الفرقة بين الشيعة والسنة في العراق ولبنان والخليج تتزعم إثارة الفتنة بين شعوب المنطقة. وإذا كان الرئيس نجاد قد أعلن صراحة أن شعوب منطقة الخليج "الفارسي" تربطها علاقات صداقة وأخوة وقيم ثقافية وتاريخ مشترك وأنها عاشت متجاورة مئات السنين بسلام وهدوء، فإن الرئيس الأميركي قد مارس بنفسه هذه القيم والعادات والتقاليد وتفهم التاريخ المشترك لشعوبها العربية، إلا أنه لم يتعرف على خصوصية الشعب "الفارسي". وعندما تحدث بوش عن أهمية الديمقراطية والحاجة إلى التغيير الاجتماعي وتحقيق العدالة واستثمار الفوائض النفطية في التعليم والبنية التحتية والبرامج الاجتماعية، ربما بهدف الحفاظ على مستوى الرفاهية الاجتماعية لشعوب دول الخليج، جاء حديث نجاد عن مواجهة انتشار الفقر والفساد والتهديد والاعتداء، انطلاقاً من معايشته للظروف التي يواجهها الشعب الإيراني من جراء سياساته الخارجية والاقتصادية والاجتماعية. ولقد صدق الرئيس الإيراني عندما أكد أنه منذ اليوم الذي وضعت فيه القوى الفاسدة والمتغطرسة أقدامها في منطقة الخليج تزعزع الأمن وأثيرت الحروب وساد سفك الدماء، وهو أمر صرح به ضمنياً بوش، وإن كان قد اختلف في تحديد هذه القوى، لأن النظامين الحاكمين في إيران وفي الولايات المتحدة حالياً كانا ولا يزالان السبب في زعزعة أمن واستقرار الخليج بعد وصولهما إلى سدة الحكم والسلطة في الدولتين. وإذا كان الاثنان قد اتفقا على صعوبة الأوضاع في العراق وفلسطين وأفغانستان ولبنان والمجازر التي ترتكب ضد مواطني هذه الدول وزعزعة الأمن والاستقرار فيها، فإن كلاً منهما قد اتهم الآخر بالتسبب في ذلك، وهو أمر لم ينكرانه سواء صرحا به علناً أو ضمناً. ومن الغريب والمدهش أن رد فعل الصحافة الإيرانية تجاه زيارة نجاد للخليج، تقاربت مع ردة فعل الصحافة الأميركية تجاه زيارة بوش للخليج، حيث ركزت كل منهما على تراجع الرئيسين عن ثوابتهما تجاه دول الخليج، وأن كلتا الزيارتين لن يكون لها أي مردود على الأوضاع المشتعلة في المنطقة، ولن يكون لها تأثير في العلاقات بين دول المنطقة وكل من إيران والولايات المتحدة، وقد فشل الرئيس نجاد في منع دول الخليج العربية من تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي ضد إيران بسبب برنامجها النووي، كما فشل الرئيس بوش في إقناع دول الخليج العربية بخطورة إيران وضرورة المشاركة في حصارها وعزلها. ربما يكون هدف الرئيسين، الأميركي والإيراني، من زيارة بعض دول منطقة الخليج، أن يتأكد المشاهدون أنهما بشر، وليسا آلهة حرب ودعاة قتل ومثيري أزمات، أي أنهما قد يصيبان ويخطئان مثل أي بشر، وليسا فوق مستوى الشبهات، ولهما ميولهما وتوجهاتهما ومصالحهما التي تؤثر في سلوكهما، لذلك يجب على شعوب المنطقة ألا تتوقع منهما أي تغيير إلا بعد رحيلهما غير المأسوف عليه.