هل تعني الانتخابات تحولاتٍ ديمقراطيةً بالضرورة؟ إحدى عشرة عملية انتخابات جرت في عام 2006 في المنطقة العربية، فهل عنى إجراء تلك الانتخابات تقدماً في بناء المجتمعات المدنية في عالمنا العربي؟ هذه هي التساؤلات التي تمحور حولها مؤتمر مركز القدس للدراسات الذي عقد بالعاصمة الأردنية عمان الأسبوع الماضي. قال من قال إن الانتخابات شكلية مورست كديكور في عالمنا خضوعاً لعاصفة التغيير الديمقراطية "المدمرة" التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية في العراق، وبأن هذه العملية الآلية للتصويت والتصوير كانت لتجميل وجه الديكتاتوريات العربية القبيح -لا أكثر ولا أقل. فجادل من جادل بأنه حتى لو كانت شكلية، ولكنها أحسن من عدم وجودها، وبأن الانتخابات الشكلية قللت من أرقام النتائج الخرافية التي كان يحصل عليها رؤساؤنا في الاستفتاءات المضحكة. فبدلاً من الـ99%، تواضعت النسب قليلاً إلى الثمانينات، وبدلاً من أن تكون نسبة المشاركة المؤيدة للرئيس في الاستفتاء 100% -كما في آخر استفتاء أجراه الرئيس العراقي السابق صدام حسين- تنازلت النسب خجلاً إلى التسعينات. وأضاف صاحب الرأي هذا أن من الضروري الضغط المستمر على الحكومات العربية للموافقة على حضور المراقبين الدوليين لهذه الانتخابات، مشيراً إلى أنه ما من دولة ديمقراطية غربية ترفض وجود مراقبين دوليين أو مراقبين من منظمات المجتمع المدني الدولية. كان هناك رأي بأن الانتخابات العربية التي تسمح بمشاركة الأحزاب الدينية لا يمكن أن تقود إلى تحول ديمقراطي، لأن الأحزاب الدينية دون استثناء تنادي بقيام الدولة الدينية، وأن الدولة الدينية لم ولن تسمح بالتعددية الحزبية ولا بالحرية الفردية ولا بتداول السلطة، وما الديمقراطية بالنسبة لها سوى وسيلة للوصول إلى السلطة ومن ثم تصفية كل من يختلف معها. واختلف آخر مع هذا الرأي الذي رأى فيه محاكمة للنوايا، معدداً كيف أن القوى الدينية في عالمنا هي ضحية الاستبداد أكثر من غيرها، وأنها عملت ما في وسعها لإثبات حسن نواياها وقبولها بالآخر، مذكراً بأن الأحزاب الدينية موجودة في أوروبا كأحزاب ديمقراطية مسيحية. فرد عليه من اختلف معه بأن هذه الأحزاب المسيحية الغربية استطاعت أن تثبت حسن نواياها بالقول والفعل واستقطبت من ليسوا مسيحيين معها ورفعت شعار التمسك بالدولة الديمقراطية وبفصل الدين عن الدولة، بينما فشلت أحزابنا الإسلامية في استقطاب أحد من خارج طوائفها -ناهيك عمن هم خارج دينها مما يجعلها طائفية وانعزالية "بالسليقة"، صحيح أن الائتلاف الشيعي العراقي وضع اسم سني واحد على قائمته، لكن هذا ما يسمى باللهجة العراقية "كلاوات". وصحيح أن "الإخوان" في مصر أدخلوا مسيحياً من أصل عشرة ملايين مسيحي مصري، ولكن هذا من أجل ديكور "علمنة" الحزب، ولم يكن إيماناً حقيقياً بالشمولية التي تقول بالمواطنة التي يتساوى أمامها الجميع بغض النظر عن أصلهم أو جنسهم أو دينهم أو طوائفهم. وكان رد أحد المشاركين "الإسلاميين" إننا في نظر العلمانيين "عنزة وإن طارت"، فتلقفها أحد معارضيه صائحاً: هذا ما نقصده، فالأحزاب السياسية لا تكون إلا في الدولة المدنية التي تحتكم أحزابها لدساتير بشرية ومن ثم فهي علمانية، وها أنت ترفض العلمانية التي تتناقض حتماً مع الدولة الدينية. استمر الجدل، وكان هناك شبه إجماع بين المؤتمرين على أن الانتخابات العربية -بغض النظر عن أشكالها والمشاركين فيها ونتائجها- هي أفضل من غيابها. ويبدو أن انطباعاً تولد لدى معظم المتابعين بأن مشاركة الأحزاب الدينية ستخلق تحولات بداخلها باستمرار الممارسة، ولكن السؤال باقٍ: هل ننتظر حتى تتم هذه التحولات داخل الأحزاب الدينية قبل تسليمها السلطة؟