اتفقت مع زميل من جامعة نيويورك على إجراء دراسة مقارنة بين طلبة من الكويت وطلبة بجامعته حول بعض من القضايا الاجتماعية لنرى الفروق الثقافية، وسوف أتحدث عنها فيما بعد. المهم في الموضوع أخذنا نتناقش ثقافة الشباب، وهل هي ثقافة واحدة تجمع هموم وقضايا الشباب أم أن هناك ثقافة خاصة نابعة من المجتمع؟ ومن دون الدخول في جدل، كنا نحاول أن نتعرف على ظاهرة المدونات الإلكترونية، التي انتشرت بسرعة فائقة تجمع الشباب من كل مكان ومدى تأثيرها على عقولهم وتوجهاتهم الحياتية. يقول الزميل "ديفيد ليستر" أستاذ علم النفس إن هناك مدونات، تؤثر على عقول الشباب وتدفعهم لسلوك العنف سواء مع النفس أو مع الآخر، وهي مدونات خطرة، فحكى لي قصة سوزان البالغة 19 عاماً، فهي فتاة تتمتع بحياة رغدة ومن أبوين محبين لها، ولم تظهر أي أعراض ملفتة للانتباه وخرجت في إجازة إلى ولاية فلوريدا، وأرسلت برسالة إلى أبويها تقول لهم: أحبكم لكل ما قمتم به، ولكن اخترت الموت، ومن الصعب أن تفهموا لماذا؟ وتتفاجأ الأسرة بانتحار ابنتهم في أحد الفنادق. اكتشفوا فيما بعدُ أنه لم يكن الانتحار الأول من نوعه، وتم اكتشاف مدونة لمجموعة تروج لفكرة الموت وتمنحك الدروس في كيف تموت بهدوء وبراحة ودون معاناة. ويضيف زميلي أن معدل الانتحار بين الصغار وصل إلى 4000 سنوياً وكلهم ضحايا للمدونات. ما تعرضت له سوزان، هو ما يُعرف بعملية غسيل العقول أو المخ، وهي وسيلة تُستخدم اليوم لنشر أفكار العنف بين الشباب وتدفعهم لاختيار الموت كوسيلة للخلاص من الحياة، وتستند فكرة "الغسيل" هذه إلى طقوس ووسائل نفسية تطوع الفرد وتخضعه لتنفيذ كل ما يُطلب منه. والمختصون في غسيل المخ يقولون إنها عملية تنظيف ومسح شامل لما في العقل، ومن ثم يصبح العقل صفحة بيضاء تكتب ما تريد فيها ولا يشعر الفرد بالتغيير الذي يحدث ويتصرف وفق ما يُطلب منه. وترجع الفكرة لأحد رجال الدين المسيحي يُدعى "جوناثان إدواردز"، الذي قام بحملات إحياء المسيحية في القرن الثامن عشر، حيث كان يمتاز بصوته المؤثر وبذكائه الخارق، فكان يُعظِّم من عقدة الذنب إلى أن يجد المرء نفسه محاطاً بالخوف، ومن ثم يطلب الخلاص من الحياة بالانتحار. وفي القرن العشرين، قام عالم النفس الروسي "بافلوف" بتطوير الفكرة وقدم نظرية في غسيل الدماغ، ووظف "لينين" قائد الثورة البلشفية النظرية لتحقيق أهدافه. العنف الذي يتبناه الشاب اليافع، والذي يدفعه لتبني ثقافة الموت ويتحول إلى قنبلة بشرية تودي بالكثير وتنهي حياته، فهو معبأ ومهيأ نفسياً وتعرض لعملية غسيل للدماغ، ولا يمكن ثنيه عن أهدافه دون الغوص في معرفة التحولات النفسية، التي مر بها والدوافع الخفية التي تدفع من هو في سن الشباب إلى أن يودع الحياة على أمل أن يعيش حياة مليئة بالأمن والحب والسلام. فيا تُرى هل قمنا بإجراء دراسة لمعرفة التحولات الكبيرة التي يعيشها الشباب؟ لا يبدو أننا فكّرنا في ذلك، فالتفكير يقوم على الفعل ورد الفعل، كما أن تعاملنا مع الظاهرة انحصر في جوانبه الأمنية فقط، وتركنا شبابنا ضحايا يعيشون الضياع المدمر للنفس. المدونات ثقافة جديدة تجتاح العالم، وتدفع الشباب من كل الثقافات للانضمام لها، وهي ثقافة جاذبة تتطلب منا التعامل معها ليس من خلال الحظر والنهي، بقدر ما نفكر بوسائل الحوار والتواصل بين أبنائنا كي نكسر جدار الصمت.