اهتزت أسواق المال العالمية في الأسبوع الماضي، بما فيها البورصات الخليجية والعربية، وخسرت مؤشرات هذه الأسواق نسباً كبيرة تراوحت ما بين 12-17% في غضون ثلاثة أيام فقط، وهو ما لم يحدث في بعض الأسواق الخليجية منذ تأسيسها. ماذا حدث بالضبط ؟ وهل هي صحيحة تلك التفسيرات التي ربطت هذا الانحدار الحاد فقط بأزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة وإمكانية تعرض الاقتصاد الأميركي لفترة كساد محتملة في الأشهر القادمة؟ باعتقادنا ما حدث له أكثر من تفسير، وأكثر من سبب، فالأمر لا يقف عند حد التوقعات الخاصة بالاقتصاد الأميركي، فالهزة كانت أكبر من ذلك بكثير، وخصوصاً تلك التي حدثت في الأسواق الخليجية والعربية إجمالاً. الأسباب تمحورت حول ثلاثة جوانب: الأول له علاقة بالتوقعات الخاصة بأكبر اقتصاد في العالم، وهو يشكل ربع الاقتصاد العالمي تقريباً، أما السبب الثاني، فهو نفسي، وذو تأثير قوي على صغار المستثمرين بوجه خاص، في حين يكمن السبب الثالث، وهو مهم في عمليات المضاربة، التي استغلها كبار المضاربين والذين عادة ما يسخرون الأخبار والتوقعات لصالح عمليات جني أرباح بين فترة وأخرى. وإذا كان الأمر متعلقا بتوقعات الكساد في الاقتصاد الأميركي فقط، فكيف نفسر نسبة انخفاض أسواق ناشئة تحقق شركاتها نتائج ممتازة عاماً بعد آخر، كأسواق الخليج التي منيت بنسبة انخفاض تزيد على نسبة الانخفاض في سوق المال الأميركية المتأثرة بشدة من أزمة الرهن العقارية؟ إذاً هناك عوامل نفسية وعمليات مضاربة قوية، أدت إلى الانخفاضات الحادة في الأسواق الخليجية والعربية، والتي سرعان ما ارتدت مرتفعة بالقوة نفسها، بعد أن خسر الآلاف من صغار المستثمرين، في ظل موجة جديدة من ما يسمى باندفاع القطيع. التوقعات الخاصة بالكساد الأميركي مسألة جدية، ويجب أخذها بعين الاعتبار، إلا أن عصر العولمة وارتباط أسواق العالم وتداخلها، قد لا تسمح بتكرار حالات الكساد العالمية، كالتي حدثت بين عامي 1929 – 1933 وأدت إلى نشوب الحرب العالمية الثانية. الوضع الحالي، وبفضل التقدم العلمي في مجال الاتصالات والمعلومات سيدفع مختلف بلدان العالم، التي تملك قدرات اقتصادية ومالية إلى المساعدة لمنع ركود الاقتصاد الأميركي، وذلك لسبب بسيط جداً، وهو أن تبعات هذا الكساد لن تقتصر على الولايات المتحدة وحدها، بل ستمتد آثارها السلبية لكافة بلدان العالم. من هنا رأينا "الفزعة" الأوروبية والآسيوية التي اعقبت أزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة والتدخل المباشر والمنسق للبنك المركزي الأوروبي والياباني والأميركي لمنع الانهيارات في القطاع المصرفي والمالي في الولايات المتحدة. لقد كان الوضع مشابهاً في الأسبوع الماضي عندما خفض بنك الاتحاد الفيدرالي الأميركي سعر الخصم بنسبة كبيرة بلغت 0.75% لوقف التدهور في أسواق المال العالمية، إذ لا يزال في جعبة الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية والآسيوية الفاعلة، بما فيها بلدان الخليج التي تملك صناديق سيادية الكثير من الخطوات التي يمكن اتخاذها لتفادي الركود في الاقتصاد الأميركي، وما تخفيض أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياط الأميركي في الأسبوع الماضي، إلا البداية التي يمكن أن تعقبها خطوات أخرى لا تقل فعالية. في ظل هذه الأجواء المتسمة بالتذبذبات الحادة، والتي يبدو أنها ستستمر في الأشهر القليلة القادمة حتى تتضح الرؤية بشأن وضع الاقتصاد العالمي ككل والاقتصاد الأميركي على وجه الخصوص، ماذا على المستثمر أن يفعل ليحافظ على استثماراته وينميها؟ إن أولى خطواته العملية يمكن أن تبدأ من تجاهل الشائعات وتجنب الخوف غير المبرر، مع التركيز على التحليل الأساسي للشركات وأدائها، واعتماد الاستثمار بعيد المدى، والذي يمكن أن يحقق عائدات جيدة في المستقبل. أسواق المال الخليجية والعربية بشكل عام، لا زالت تتمتع بأوضاع سليمة، كما أن مؤسساتها المالية المدرجة في البورصات، لم تتورط في أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، إضافة إلى أن اقتصاديات الخليج، ستستمر في تحقيق معدلات نمو مرتفعة في العام الجاري، كما سترتفع أرباح الشركات بفضل الأداء الجيد للشركات المحلية. لذلك علينا أن "لا نجهز الدواء قبل الفلعة" كما يقول مثلنا الخليجي، فالاقتصاد الأميركي يمكن أن يتعرض للكساد، ويمكن أن يتفاداه إذا ما أجمعت الاقتصاديات الرئيسية في العالم على العمل الجماعي المنسق، وربما يكون ذلك- بناء على المعطيات المتوفرة- أقرب الى الواقع.