يمكن للعام الأخير في ولاية أي رئيس أميركي، أن يوفر له -وقد تحرر من القيود السياسية- الفرصة لإنجاز شيء قد يكون مثيراً للجدل، ولكنه صائب. إلا أن هناك محاذير يجب أخذها في الحسبان فيما يتعلق بذلك، منها أن الرئيس، وهو يحاول إنجاز الأمور بأسرع الطرق وأسهلها، أملاً في تحقيق نجاح في نهاية مدة ولايته، قد يرتكب أخطاءً جسيمة. ومناسبة هذا الكلام هي أن إدارة بوش ستقرر في غضون الأسابيع القادمة، ما إذا كانت ستقوم بالضغط من أجل إجراء المزيد من التوسيع لـ"الناتو" أثناء قمة الحلف التي ستعقد خلال فصل الربيع، أم لا؟ ومن المعروف أن الإدارة الأميركية تقترح توسيع الحلف من خلال توجيه الدعوة لدول كألبانيا، وكرواتيا، ومقدونيا، للانضمام إليه، وهو الشيء الذي لو تم فسيكون آخر عمل كبير تنجزه إدارة بوش على مسرح العلاقات عبر الأطلسية قبل مغادرتها. وعلى رغم أنني كنت من بين أوائل الداعين لتوسيع حلف "الناتو"، إلا أنني أرى الآن أن مثل تلك الخطوة ستكون خطأً لو جرى تنفيذها في الوقت الراهن. إن توسيع "الناتو" ينبغي أن يصب في مصلحة تعزيز وضع الحلف وهو تحديداً السبب الذي دعانا في التسعينيات من القرن الماضي، ومن خلال التشاور الوثيق مع مجلس الشيوخ، إلى وضع معايير واضحة وصارمة فيما يتعلق بضم أعضاء جدد للحلف مستقبلاً. وبموجب تلك المعايير، يمكن القول إن هناك دولة من الدول المقترح انضمامها جاهزة الآن لمثل هذه العضوية وهي كرواتيا، في حين أنه من الواضح أن ألبانيا ومقدونيا لا تنطبق عليهما هذه الشروط. وقد تعلمنا من خلال خبرة العقد الأخير، أن قدرتنا على ممارسة الضغط على الدول المرشحة لاستكمال إصلاحاتها الديمقراطية تقل بدرجة دراماتيكية بمجرد انضمام تلك الدول إلى الحلف. وهو ما ينبغي أن يدفعنا إلى مطالبة مثل هذه الدول بإجراء أكبر قدر ممكن من الإصلاحات، قبل أن تتسلم الدعوة للانضمام. ومن ضمن المعايير الأخرى التي تم وضعها في التسعينيات، أن تؤدي عملية التوسيع إلى تعزيز مصالح "الناتو" الاستراتيجية وترسيخ الاستقرار في أوروبا. والتوسيع الآن يمكن أن يعالج موضوعين استراتيجيين رئيسيين: الأول، استقرار البلقان. والثاني، مد نطاق التعامل إلى الديمقراطيات الجديدة مثل جورجيا وأوكرانيا، وإبقاء باب "الناتو" مشرعاً أمامها. وكان التحدي الخاص الذي واجهنا خلال نصف العقد الماضي، هو تأمين الديمقراطية في نصف أوروبا الشرقية، من البلطيق في الشمال إلى منطقة البحر الأسود في الجنوب، أما التحدي الذي يواجهنا اليوم فهو مد ذلك النطاق الأمني لمسافة أكبر ناحية الشرق أي إلى أوكرانيا عبر منطقة البحر الأسود ومنها إلى جنوب القوقاز الواقع بين الشرق الأوسط غير المستقر، وروسيا التي تزداد عدوانية على الدوام. ويؤسفني في هذا السياق أن أقول إن اقتراح الإدارة الأميركية في هذا الشأن يتصف بقِصر النظر، ولا يستوفي المعيار الثاني. وإذا ما أخذنا في عين الاعتبار أنها تأتي مباشرة عقب ما يحتمل أن يكون إعلاناً مرتبكاً لاستقلال كوسوفو، فإن عملية ضم مرشحين ضعفاء وغير مؤهلين، تهدد بإحداث حالة من عدم الاستقرار الإقليمي داخل "الناتو"، بدلاً من ترسيخ هذا الاستقرار، فضلاً عن أنها تتجاهل الجائزة الحقيقية وهي إقناع صربيا بالتوجه غرباً، كما لا تفعل شيئاً تقريباً للوصل بين البلقان وبين منطقة البحر الأسود الأوسع نطاقاً. وتوسيع "الناتو" يتطلب إجراء نوع من التوافقات والمواءمات داخل الحلف الذي تمارس فيه في الوقت الراهن ضغوط لضم المزيد من الدول إليه بغرض نيل رضا جميع الأعضاء. وعلى رغم أن هناك إغراءً حقيقياً لليِّ أعناق المعايير، إلا أن ذلك يجب ألا يجعلنا ننسى أن الشيء الذي قد يكون جيداً من الناحية السياسية قد يكون رديئاً من الناحية الاستراتيجية. ولعلنا نذكر في هذا السياق أن بعض الحلفاء ومنذ عقد من الزمان، قد ضغطوا على الولايات المتحدة، من أجل إقناعها بتبني أول موجة كبيرة من موجات توسيع الحلف، من خلال ضم رومانيا وسلوفينيا، اللتين لم تكونا مؤهلتين بعد للانضمام إلى "الناتو" في ذلك الوقت. وإدراكاً منها لهذه الحقيقة، صممت الولايات المتحدة تحت رئاسة "بيل كلينتون" على موقفها الرافض، وخاضت معركة سياسية دراماتيكية في قمة مدريد لتقييد قدرة هذه القمة على ضم هاتين الدولتين. ولكن، ماذا كانت النتيجة؟ بدلاً من أن تحزن رومانيا وسلوفينيا على عدم الانضمام للحلف، فإنهما لم تجدا أمامهما من وسيلة للخروج من مشاعر خيبة الأمل التي عانايتاها في ذلك الوقت سوى مضاعفة جهودهما الإصلاحية، وهو ما مكنهما من الانضمام للحلف في نهاية المطاف. وقلدت دول البلطيق هاتين الدولتين وضاعفت جهودهما للتمكن من الانضمام للحلف، ونجحت في ذلك بالفعل. وبعد أن وضعت أميركا الركائز اللازمة لإجراء عملية توسيع ناجحة فيما بعد أدت إلى إعادة رسم خريطة أوروبا. والحاصل، أن تصميمنا على مراعاة المعايير، والتمسك بها، والتفكير بطريقة استراتيجية، قد آتى ثماره في نهاية المطاف، ويجب أن يشكل في الوقت الراهن دليلاً هادياً للسياسة الأميركية فيما يتعلق بالتوسيع الجديد المزمع للحلف. وحتى الآن لم يطلب أحد من الإدارة تقديم شهادتها بخصوص هذا الموضوع أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، أو أي لجنة من اللجان ذات العلاقة في الكونجرس، بيد أن أسوأ شيء يمكن أن يحدث في هذا السياق هو أن تتقدم الإدارة إلى الكونجرس بحزمة غير مخطط لها جيداً لتوسيع حلف الأطلسي لأن مثل هذه الحزمة ستوفر لمجلس الشيوخ -بعد أن يمحصها جيداً- الحجة لرفضها. وإن هذا الاحتمال تحديدا هو الذي يدفعني للقول إننا بحاجة إلى إجراء النقاش المتعلق بتوسيع الحلف الآن، وليس فيما بعد. رونالد دي. اسموس نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأوروبية خلال الفترة من 1997- 2000 ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"