أعاد خبر خروج قمر اصطناعي ضخم عن السيطرة بداية الأسبوع الحالي، واحتمالات سقوطه على مناطق مأهولة بالسكان بما يحمله من مواد خطرة، تسليط الضوء مرة أخرى على قضية النفايات الفضائية، وما تشكله من تهديد لسكان الأرض. القمر المعني وهو قمر تجسس أميركي، فقد مشغلوه القدرة على التحكم فيه، بعد عطل في مصدر الطاقة داخله، وتوقف محركات الدفع. ويتوقع الخبراء أن القمر سيسقط على الأرض، في منطقة غير معروفة حتى الآن، نهاية شهر فبراير أو مارس القادمين. ويعيد هذا الخبر للأذهان ما حدث في عام 1979، عندما سقطت محطة فضائية مهجورة وزنها 78 طناً، "سكاي لاب" (Skylab)، فوق مساحة شاسعة امتدت من المحيط الهندي إلى مناطق نائية من غرب أستراليا. وفي عام 2002، انهمر حطام قمر اصطناعي علمي -يزن أكثر من ثلاثة آلاف كيلوجرام- على منطقة الخليج العربي، وعلى بعد آلاف الأميال من النقطة التي قدر العلماء سابقاً أن القمر الاصطناعي المعطوب سيسقط فيها. وبالنظر إلى وجود المئات من الأقمار الاصطناعية -حوالي 560 حالياً- في مدارات ثابتة حول الأرض، وبالأخذ في الاعتبار وجود الآلاف من قطع القمامة المعدنية في الفضاء القريب من الأرض، يتوقع الكثيرون أن يتكرر سقوط الأقمار الاصطناعية، والنفايات الفضائية بشكل متزايد، نتيجة الاعتماد البشري المتزايد على تكنولوجيا الفضاء في بناء ودعم الحضارة الحديثة. فبالنظر للأهمية البالغة المرتبطة بالمهام والوظائف التي تؤديها الأقمار الاصطناعية حالياً، يمكننا التأكيد بدرجة كبيرة من الثقة، بأن جزءاً كبيراً من حضارة القرن الحادي والعشرين، بحسناتها وسيئاتها، أصبح يرتكز ارتكازاً أساسياً على الأقمار الاصطناعية. ففي المجال العسكري مثلاً، أصبحت الأقمار الاصطناعية سلاحاً لا يمكن الاستغناء عنه، وهو ما كان جلياً وواضحاً بداية من حرب الخليج الثانية، التي يحلو للبعض تلقيبها بحرب الفضاء الأولى. فخلال تلك الحرب قامت قوات التحالف باستخدام الأقمار الاصطناعية بشكل مكثف، لم يشهده تاريخ العمليات العسكرية من قبل، وهو السيناريو الذي عاد ليتكرر مرة أخرى في الاعتداء الأميركي الأخير على العراق. أما في مجال الاتصالات الشخصية، فقد أصبحت الأقمار الاصطناعية وسيلة رئيسية لتوصيل المكالمات الهاتفية بين الدول، وفي تحديد مواقع السفن والطائرات وغيرها من وسائل المواصلات، من خلال تقنية "جي بي إس" المعروفة. وفي مجال الترفيه، أصبحت الأقمار الاصطناعية وسيلة لإيصال المئات من القنوات التلفزيونية إلى المشاهدين حول العالم بشكل مباشر. وفي مجال الطب، وجدت الأقمار الاصطناعية مكانها من خلال تطبيقات الطب الاتصالي، والجراحة عن بعد، والتعليم الطبي المستمر. وفي مجال البيئة ودراسات المناخ، وظفت عشرات الأقمار الاصطناعية لمراقبة درجة حرارة المحيطات، وسمك طبقة الأوزون، واتجاه وسرعة الرياح، ومعدلات سقوط الأمطار، وتراكمات الثلوج، ومناطق الفيضانات وحرائق الغابات، وغيرها الكثير من المؤشرات والمتغيرات البيئية. وبخلاف احتمالات سقوط هذا العدد المتزايد من الأقمار الاصطناعية على أسطح المنازل والسيارات، وعلى رؤوس العباد، أصبحت الأقمار الاصطناعية ضحية نجاحها ذاته. فالعدد المتزايد من هذه الأقمار، بالإضافة للمحطات الفضائية المسكونة والمهجورة، ورحلات المكوك الفضائي المتكررة، تركت خلفها تجمعاً هائلاً من الأجسام والنفايات الفضائية، يقدر بمئات الآلاف، يسبح بعضها بسرعة تتخطى سرعة الصوت. وسرعة هذه الأجسام وحجمها، يشكلان خطراً جسيماً على قدراتنا المستقبلية على استغلال الفضاء، وعلى استمرار اعتمادنا على تكنولوجيا الاتصالات الفضائية، إذا ما قدر لها أن تصطدم بقمر اصطناعي أو محطة فضائية. وهو ما حدث بالفعل عام 1996، عندما اصطدمت قطعة خردة فضائية بقمر اصطناعي فرنسي (Cerise)، متسببة في أضرار جسيمة له. أما على صعيد الإصابات الشخصية، فتعتبر أول حالة مسجلة هي حالة امرأة من ولاية "أوكلاهوما"، أصيبت في كتفها عام 1997، بقطعة من خزان وقود صاروخ، استخدم لوضع قمر اصطناعي تابع للقوات الجوية الأميركية عام 1996. ولا يمكن الجزم بأن السقوط المتوقع للقمر الاصطناعي نهاية الشهر القادم، سوف يؤدي إلى إصابات أو وفيات. وحسب التقارير الإخبارية، أقامت الحكومة الأميركية خطوط اتصال مع حكومات الدول المحتمل أن يسقط فيها القمر، وإن كان ليس من الواضح ماذا يمكن لهذه الدول أن تفعله أمام قطع معدنية تسقط من السماء بسرعة الصوت. وعلى رغم سعي المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي الأميركي إلى طمأنة المجتمع الدولي، من خلال التنويه إلى أن السنوات الماضية قد شهدت سقوط العديد من الأقمار الاصطناعية إلى الأرض، دون حدوث وفيات أو إصابات خطيرة، إلا أن هذا لا يعني بالتبعية استحالة وقوع حادث خطير هذه المرة. وهو ما حدا بالمتحدث الرسمي إلى الاستطراد، بأن الحكومة الأميركية تبحث حالياً جميع السبل المتاحة لتخفيف أي ضرر قد يتسبب فيه سقوط القمر نهاية الشهر القادم. والبعض يرى أن الحل ربما يكمن في تدمير القمر، قبل دخوله إلى طبقات الجو العليا، باستخدام صواريخ باليستية، وإن كان ليس من الواضح ما إذا كان هذا الاختيار متاحاً فعلاً، أو إذا ما كان قابلاً للتطبيق. وإن كان الشيء الوحيد الواضح، هو أن الأقمار الاصطناعية أصبحت تشكل خطراً متزايداً، ليس فقط للسلامة الشخصية، وإنما أيضاً لاعتمادنا المتزايد على الفضاء في العمليات العسكرية، وفي الاتصالات، والأبحاث العلمية، والترفيه المنزلي، وفي مراقبة البيئة والمناخ.