ما تمارسه إسرائيل وبشكل منهجي قبل وبعد إعلان غزة "منطقة مُعادية" منذ ثلاثة أشهر فيه جميع أصناف خرق القانون الدولي، سواء في ذلك الاغتيالات المتواصلة وبناء جدار الفصل العنصري ومصادرة الأراضي وإغلاق المعابر وتجويع وإذلال الشعب الفلسطيني وبالأخص في غزة وباقي فلسطين بشكل عام, وكل هذه الممارسات تشكل عملاً منهجياً ينبغي إدانته، ومن غير تحفظ، من قبل المجتمع العربي والإسلامي والعالمي والمنظمات الدولية وخاصة الأمم المتحدة العاجزة ومنظمات حقوق الإنسان. إن إساءة استخدام القوة المفرطة وممارسة إسرائيل لعقاب جماعي على أكثر من مليون ونصف المليون من المدنيين الأبرياء، من قطع إمدادات الغذاء والدواء والغاز والبنزين والمشتقات النفطية لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في غزة المحاصرة والنازفة، يمثل علامات فارقة إسرائيلية، حيث يؤدي إغلاق المعابر إلى تحويل غزة عملياً إلى سجن كبير تتحكم فيه إسرائيل وتضيِّق الخناق عليه، وكل ذلك يرقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ويشكل خرقاً واضحاً للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة التي توجب على قوات الاحتلال توفير الأمن والغذاء والدواء للشعب الخاضع للاحتلال. وتفضح لغة الأرقام مستوى الإجرام والتنكيل الإسرائيلي غير المسبوق في سجل الدول المحتلة، وبجرد الأرقام الدموية كشف "يوفا ديسكن" رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي، أن الجيش الإسرائيلي قتل 1000 فلسطيني خلال العامين الماضيين في قطاع غزة. بينما أكد تقرير منظمة "أصدقاء الإنسان" الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان في جنيف أن عام 2007 كان الأسوأ على الأسرى الفلسطينيين. وبيَّن التقرير أن 120 أسيرة و345 طفلاً من أصل 11000 أسير مازالوا يقبعون خلف القضبان في السجون الإسرائيلية، في أوضاع مأساوية صعبة. وأوضح أن 51 عضواً من المجلس التشريعي الفلسطيني يقبعون داخل السجون الإسرائيلية. وأن عمليات اعتقال العشرات من الوزراء وأعضاء المجلس التشريعي تشكل سابقة في تاريخ الشعوب وقوى الاحتلال لم تحصل على مدار التاريخ الإنساني كله. ولو حدث جزء من هذا في أي دولة أخرى، فماذا سيكون رد فعل المجتمع الدولي؟ وبعد تصاعد السخط الفلسطيني والعربي ومن المنظمات الدولية، سمحت إسرائيل بإدخال النزر اليسير من مواد الوقود. بعد "الانتقام" لسقوط صواريخ "القسام" التي قتلت حسب الإحصائيات الإسرائيلية خلال الأعوام الستة الماضية 12 إسرائيلياً. واليوم، لاشك أن مصر تشعر بالإحراج. فهي لا ترضى ولا يجب أن تظهر مشاركة في الحصار. والموقف المصري كان أضعف الإيمان بالسماح لسكان القطاع بعبور الحدود والتزام الرئيس مبارك بـ"عدم تجويع الفلسطينيين". والحقيقة أنه ينبغي تقدير المبادرة المصرية باستضافة حوار بين قيادة "فتح" و"حماس" في القاهرة. وذلك يحتم على مصر والعرب والمجتمع الدولي ممارسة الضغط على إسرائيل لوقف سياسة العقاب الجماعي التي يتم تسييسها من قبل الحكومة الإسرائيلية، التي تنتظر نهاية هذا الشهر تقرير لجنة "فينوغراد". ولا يمكن فهم الإفراط في العقاب الإسرائيلي بمعزل عن توظيفه لأغراض سياسية صرفة، فقد تحول جميع ساسة إسرائيل إلى "صقور"، وواصلوا التهديد بالمزيد من التشدد في رسائل واضحة للناخب الإسرائيلي الذي على ما يبدو سيقترع على أشلاء وجثث الفلسطينيين للاختيار بين غلاة التشدد، ومن يعد وينفذ جرائم إراقة المزيد من دماء الفلسطينيين. من جانبها، عبرت الدول العربية والإسلامية عن الاستنكار والإدانة، ثم جاءت الدعوة لاجتماع وزراء الخارجية العرب لمناقشة الوضع اللبناني، الذي أضيف إلى أجندته الوضع الفلسطيني. ولكن لا نتوقع من العرب أكثر من بيانات الشجب والاستنكار لإسرائيل والتعاطف والدعم للفلسطينيين. أما الأوروبيون فقد وصفوا الحصار والإغلاق بـ"العقاب الجماعي". في حين أن أميركا لم تكتفِ بالصمت بل لامت الضحية، واصفة ما تقوم به إسرائيل بأنه "دفاع عن النفس"! في مواجهة الصواريخ الفلسطينية. وأن "إسرائيل ملتزمة بمنع حدوث أزمة إنسانية في غزة". وحمَّلت "حماس مسؤولية المشكلة". وفي المجمل فإن أزمة غزة تكشف وتدين الأمم المتحدة وعجزها، ومجلس الأمن الذي عجز هو الآخر بعد ثلاثة أيام كاملة من المساعي الحثيثة، عن إصدار حتى بيان رئاسي غير ملزم يطالب بوقف فوري لكل أعمال العنف وإنهاء حصار غزة. ولعل ما يزيد من وطأة الحصار ومعاناة الفلسطينيين في العصر العربي الرديء، هو العجز العربي والانحياز الأميركي والصمت العالمي القاتل، في مراوحة قاتلة لا يبدو أننا سنجد لها حلاً في ظل الظروف الدولية والإقليمية القائمة.