معظم الصحف في أغلب البلدان التي زارها الرئيس الأميركي بوش لم ترحّب بزيارته الأخيرة للمنطقة؛ بما في ذلك الصحف الإسرائيلية! لكنني أختلف مع الكتاب الذين "لعنوا" الزيارة ورفعوا لافتات احتجاج عليها، وهم في حقيقة الأمر لا يملكون "مفتاحَ العريش"!؟ صحيفة "يديعوت أحرونوت" قالت: "لو أن الرئيس بوش كان ينبغي له أن يحسم في شؤون النزاع الإسرائيلي/ الفلسطيني، فقط استناداً إلى زيارته إلى (رام الله) و(بيت لحم) لما كان فهمَ ما هي المشكلة! الشوارع فارغة، الهدوء سائد، الطقس البارد ساعد فقط على تهدئة الخواطر. ولكن هو الآخر يعرف أن ليس هذا بالضبط هو الوضع الحقيقي"؟! وأشارت الصحيفة إلى تعثر المفاوضات. صحيفة "معاريف" أشارت إلى عملية عسكرية في (غزة) بينما موكب بوش يتجهُ نحو (القدس) و(رام الله)؛ ورأت الصحيفة أن "إنجاز" بوش تجلى في الغيوم التي جلبها معه!؟ وتخوفت الصحيفة من صواريخ القسَّام، وتوازن الرعب بين إسرائيل و"حماس"! ولقد غادر بوش "مطار بن غوريون" قائلاً: "أشكركم على ضيافتكم.. كانت زيارة إيجابية جداً"! في الكويت كانت الصورة مختلفة أيضاً؛ حيث استُقبل بوش استقبالاً رسمياً حافلاً؛ وأحيطت زيارتهُ بحراسة مشدّدة. وتركزت محادثاته مع المسؤولين الكويتيين حول العراق، النووي الإيراني، تعويضات غزو الكويت عام 1990، وإعادة الأسرى الكويتيين الموجودين في (غوانتانامو) إلى الكويت ليَمثلوا أمام القضاء الكويتي. وبقية الزيارة كان عبارة عن حفلة وداعية لفترة بوش الرئاسية. في مملكة البحرين -المحطة الثالثة لبوش- كانت الصورة أكثر حدَّة وتأثراً!؟ فمع ظهور بوش ملوِّحاً بسيف الملك حمد أثناء مشاركته رقصة العرْضة، كانت بعض المنظمات الحقوقية تستقبلُ الزيارةَ بالرفض والاستهجان. حيث رفعَ متظاهرون بالقرب من السفارة الأميركية في المنامة أعلامَ فلسطين والعراق ولبنان، وأعلامَ جمعية الوفاق الوطني الإسلامية (الصفراء) مع لافتات لا ترحّب بالزيارة؛ وتتهمُ بوش بـ"المُجرم"! وتطالب بإزالة الوجود الأميركي من البحرين. وأشار إبراهيم الشريف الأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) إلى أن بوش غير مُرَحَب به في البحرين. واتهم أميركا بدعم أنظمة استبدادية في العالم العربي وبدعم إسرائيل. وأشار إلى ضرورة وجود "طلاق" نهائي مع القواعد والتشكيلات العسكرية الأميركية في البحرين."لأن هذا يعني تعرض أمننا القومي للخطر" كما أضاف الشريف. وشدّد أحدُ كتاب الأعمدة في الصحافة البحرينية (إبراهيم بوجيري) على أن البحيرة الخليجية لا تحتمل حرباً أخرى فقط من أجل سواد وجه أو عيون بوش!؟ في الإمارات العربية المتحدة أرسل الرئيس بوش رسالة حاسمة لإيران -خلال كلمته في فندق قصر الإمارات ولقائه مع دبلوماسيين ومسؤولين ومواطنين- قائلاً: "إيران هي اليوم الدولة الراعية للإرهاب، وأعمالها تهدّدُ أمنَ الدول في كل مكان". في الوقت الذي أكد فيه الرئيس الأميركي التزام الولايات المتحدة بالأمن مع أصدقائها في الخليج؟! وفي تقاطع إيراني مع دعوة بوش الحكومةَ الإيرانية إلى "الإصغاء لرغبة الشعب الإيراني، وجَّه الرئيس (أحمدي نجاد) رسائل شكر إلى قادة دول مجلس التعاون الخليجي مشيداً بالترحيب الذي لقيهُ في قمة الدوحة، مؤكداً استمرارَ التعاون الإقليمي على كافة الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية، واستمرارَ اللقاءات المشتركة بين بلدان المنطقة! في الوقت الذي أعلن فيه وزيرُ الخارجية الإيراني منوشهر متكي أن الرئيس الأميركي -خلال جولته- يحاول "إلحاقَ الضرر بعلاقات طهران بجيرانها"!؟ وفي إشارةِ تحدٍّ لإيران قام الرئيس بوش بزيارة الأسطول الأميركي في مياه الخليج يوم الأحد قبل الماضي؛ بعد أن تعرضت قِطعٌ من الأسطول لمضايقات إيرانية في مضيق (هرمز) قبل ثلاثة أسابيع. وفي الوقت الذي أكدت فيه دولةُ الإمارات العربية المتحدة على تعزيز شراكتها الاقتصادية المتميزة مع الولايات المتحدة؛ فإن الرئيس بوش أشاد بقادة المنطقة الذين "بدأوا في الاستجابة لإرادة مواطنيهم"! مُشيراً إلى الانتخابات التي جرت في المنطقة. وكان بودنا لو كان حديث بوش أكثرَ وضوحاً حول قضايا المواطنة وحقوق المواطنين والديمقراطية في المنطقة ككل! قد تكون محادثاتُ بوش في السعودية هي الأكثر تعقيداً وعمقاً وذلك لحجم المملكة على المستوى العربي، ولأنها حتماً نقلت رؤية دول المنطقة بشأن شنِّ حرب على إيران! وهو موقف تأكدَ في العديد من القمم الخليجية. واعترف كتابٌ سعوديون بأنه لا يُمكن للسعوديين أن يضحّوا بعلاقاتهم "المعقولة" مع إيران من أجل أهدافٍ غير واضحة لسياسات الولايات المتحدة تجاهَ طهران. وقبل الزيارة توقع كتابٌ ومُحللون أن تُبدي السعودية موقفاً حازماً تجاهَ أيةٍ استفزازات أو حروب مُقبلة في المنطقة. وكان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قد صرَّح أن هناك خلافاً في وجهات النظر بين السعودية والولايات المتحدة حول إيران!؟ وحتماً فقد كان الهاجس الخاص بالنووي الإيراني، إلى جانب محادثات سلام الشرق الأوسط، وأسعار النفط، حاضراً في المحادثات التي جرت بين الجانبين. إلا أن الأرقام التي رشحت عن اللقاءات كانت من نصيب صفقات الأسلحة التي بلغت 20 مليار دولار من أصل 40 مليار دولار كان بوش يسعى إليها. وقد تكون هنالك صفقات سرية لم يتم الإعلان عنها خلال الرحلة؟! وتأكيداً مع بوش التزامه بالاستحقاقات الخاصة بالعلاقات الأميركية- السعودية؛ دعوته إلى "تليين" الموقف السعودي تجاهَ الكيان الصهيوني؛ ارتكازاً الى مشاركةِ وفدٍ سعودي في مؤتمر "أنابوليس" في الولايات المتحدة الذي عُقد في شهر نوفمبر الماضي. ناهيك عن وقفاتٍ ترفيهية فلكلورية كما حدث في الدول الأخرى التي زارها. صحيفةٌ إماراتية ناطقة بالإنجليزية نشرت كلاماً بليغاً؛ قالت: "نحن نأمل أن تكونَ قد استمتعتَ بالرحلة حتى الآن، كان المشهدُ رائعاً، الطعام كان غريباً، ولكن بالنسبة للأمور (الجادة) فإنه من غير المحتمل أن تعملَ شيئاً مختلفاً"؟! المُخاطب كان الرئيس بوش طبعاً!؟ نحن نعتقد أن الزيارة كانت عبارة عن حفلة "وداعية" لبوش؛ إذا لم تتحقق الدولة الفلسطينية بكل أبعادها المُعقدة، وإن لم يتأكد الاستقرار في العراق، ووقف النوايا غير الحَسنة تجاه طهران. أما "جزرة" الديمقراطية التي يلوّح بها كل رئيس أميركي فلم تعد صالحة للاستخدام الآدمي! وكم كان بودنا لو أن الرئيس بوش ركّز أكثر على قضية الحريات ونشر الديمقراطية في المنطقة. بدلاً من التركيز على استمرار التزامات واشنطن الأمنية القديمة لـ"أصدقائها" في الخليج! والإشارة إلى مكافحة التطرف حيث يُدرك الرئيس الأميركي أن للتطرف أسباباً واضحة يحاربها دستورُ الولايات المتحدة!؟ وهذا يُبررُ قولنا إن رحلة بوش -لم تكن في بلاد العجائب مثل "آليس"- بل كانت رحلة وداعية؛ حيث تقول الأغنية "وداعية يا آخر ليلة تجمعنا وداعية"! حيثُ إن الرئيس الأميركي سوف يترك البيت الأبيض في أقل من عام.