بعد استجواب وزيرة التربية الكويتية حدث انقلاب في اللغة السياسية. فبعد حدة التصعيد والمواجهة مع الحكومة، تغير الحال ومرت مشاريع متعثرة، لكي يقول البرلمان إنه ليس عائقاً أمام المشاريع، بمعنى أن الأعضاء أدركوا جدية السلطة في التعامل مع المجلس عندما قيل لنا إن رسالة عدم التعاون مع المجلس تم إعدادها وتسرب الخبر وعرف الأعضاء بأنهم غير جاهزين لدخول الانتخابات بالهرولة، وإن الدوائر الخمس قد تغير من خريطة مجلس الأمة. جلسة طرح الثقة باتت واضحة، ولم يعد الأمر يقلق الحكومة حيث بدأنا نسمع عن تصريحات مناصرة للحكومة وللوزيرة، مما عزز موقع نورية الصبيح في الحكومة شريطة أن تفهم الحكومة الدرس وتعمل وفق رؤية حسابية واضحة، وتستثمر ضربة الحظ لصالحها، وخصوصاً أن الحكومة لم تكن تريد أن تصعد الوزيرة منصة الاستجواب، وكانت تفضل تنحيها، إلا أن إصرارها أوقع الحكومة في مأزق المواجهة والقبول بالأمر الواقع. نجاح الوزيرة ليس بفضل الدعم الحكومي بقدر ما هو راجع لتناقضات عديدة، ولشخصية الوزيرة التي خدمتها الظروف والمتغيرات السياسية. النائب "المليفي" صرح بنيته في استجواب وزير الداخلية، وسانده النائب السعدون، ولا يبدو أنهما يملكان القوة في طرح الاستجواب، وخصوصاً بعد عاصفة نورية الصبيح، وما أحدثته من تفكك في صيغ التحالفات بين الأعضاء. يبدو أن الأوضاع تميل إلى التهدئة المؤقتة إلا أن ذلك لا يعني استقرار الوضع السياسي، حيث بات من الواضح ضرورة التعجيل بالمواجهة وحل الأزمات السياسية المتكررة من جذورها. وقد يكون أولها وضع الحكومة ومدى قدرتها على تحقيق برامجها، وهذا يعتمد على شخصية الرئيس بالدرجة الأولى حيث عليه أن يغير من نهج الملاطفة إلى نهج المواجهة المسؤولة حيث الملاطفة لوحت بالضعف ودفعت الآخرين إلى مزيد من الاستمراء في التعدي على السلطة التنفيذية. القضية الملحة التي يجب حسمها، تتجسد في ترتيب بيت الحكم وتفعيل مؤسسة الحكم وأدواتها، لكي تعيد التوازن للعلاقة بين أقطاب الأسرة والتخفيف من حدة المواجهة والتفرغ للتفكير الاستراتيجي لتفعيل قوة مؤسسة الحكم وعدم إخضاعها لأي نوع من الابتزاز السياسي، وخصوصاً النزول إلى الشارع في الخلافات وحشد مؤيدين لهذا القطب أو ذاك، ففي هذا النهج خطورة على المؤسسة بأكملها. كنا دائماً نقول إن صلابة الكويت في صلابة الحكم، وإن على الحكم سد الثغرات وتفويت الفرصة على من يريد أن يوسع الفرقة. الحكمة في التفكير في مستقبل الديمقراطية والعمل على تطوير ثقافة المواطنة والمشاركة المسؤولة، وتعزيز فكرة الحاجة إلى تقييم التجربة وسد الثغرات، لكي نضمن للديمقراطية مزيداً من الاستقرار. والتقييم بحاجة إلى شجاعة وإلى جرأة في طرح تصورات مسؤولة تعمق التجربة وتكرس ثقافة المشاركة والمواطنة. فلا يُعقل بعد مرور ما يزيد على أربعة عقود من الديمقراطية أن نجني ثمار الانقسام والتجزئة، وأن تصاب خيمة الوطن بثغرات، وأن تشهد الكويت عودة لدولة القبيلة والطائفة وأن تتحول الديمقراطية إلى مشروع للتجزئة بين أبناء الوطن الواحد، وخصوصاً أن ما يحيط بنا ينذر بالخطر، فالعراق تعصف فيه رياح التجزئة، ولبنان يئن من ديمقراطية الطائفة، فلنا فيما يحدث العبرة، وعلينا أن نعي خطورة ما يحدث في الكويت، فهذا النموذج يُراقب من أشقائنا في الخليج وخيبته لها انعكاساتها عليهم، فهم ينظرون لنا بترقب وبقلق وخوف من أن تنجرف الكويت إلى دهاليز العتمة والفوضى ومن ثم يجد أعداء الديمقراطية سببهم في إجهاض أي محاولة من الممكن أن تشق طريقها في هذه الدول.