يجب أن لا نندهش كثيراً، عندما نجد أن دولة الإمارات لم تقف مؤيدة للرئيس الأميركي جورج بوش أو حتى للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، في لعبة الشد والجذب بينهما. ويجب علينا نحن الخليجيين أن لا نندهش إذا استيقظنا على أنباء تقارب مفاجىء بين واشنطن وطهران، فالتحولات جميعها واردة في السياسة. كثيرون ممن كانوا مهتمين بجولة الرئيس الأميركي للمنطقة، وتحديداً لدولة الإمارات، اتفقوا على أن بوش لم يحقق شيئاً من زيارته في ما يخص الملف النووي الإيراني أو في ما يخص التشدد في الموقف ضد إيران، وكان هذا أمراً مستغربا بالنسبة لهم. تحليلات إيرانية وخطب مسؤولين في طهران، منهم هاشمي رفسنجاني نفسه خلال خطبة الجمعة، قالوا إن بوش فشل في تحقيق ما كان يطمح إليه في جولته من حشد للرأي العام الخليجي ضد إيران. وإذا كان الكل يهتمون بالتأكيد على أن بوش لم يجن شيئاً من جولته، فالأهم من كل هذه التفاصيل أن إيران هي الأخرى لم تحصل بالمقابل على دعم من دولة الإمارات أو غيرها من الدول الخليجية في صراعها مع الولايات المتحدة. المسألة بالنسبة إلينا في الخليج العربي ليست معادلة صفرية؛ بمعنى أن عدم دعم سياسات الولايات المتحدة تجاه طهران لا يعني بالتبعية دعماً مباشراً أو غير مباشر لإيران، والعكس صحيح مع الولايات المتحدة. في جولة بوش الأخيرة، وكذلك في جولة نجاد الخليجية من قبل، اتضح بشكل قاطع أنه لا فائز منهما ولا مهزوم في لعبة بناء تحالفات داعمة مع دول الخليج، فكل منهما ينسب لنفسه النجاح في استقطاب المواقف في حين أن المؤشرات جميعها تنفي وجود أي دعم من أي نوع لسياسات كل من الرئيسين تجاه الآخر. المصالح باتت الأساس الحاكم لعلاقات الدول الخليجية مع العالم الخارجي، فهناك فوائض مالية ونمو اقتصادي هائل وصفقات بالمليارات، كل ذلك عزز موقف دول مجلس التعاون ووضعها في موقف راسخ ونجحت قيادات هذه الدول في توظيف الأوراق الجديدة التي بيديها بكفاءة واقتدار، وبالتالي لم يكن من الغريب أن تصدر تصريحات رافضة لمواقف كل من بوش وأحمدي نجاد واللذين اتخذا من عواصم الدول الخليجية منصات لهجمات متبادلة كل باتجاه الآخر، وهو أمر لم يغب عن ذهن قادة هذه الدول فتعاملوا بدورهم مع هذه الإشارات بمنتهى الذكاء وتخلصوا من تبعاتها والتي كان يمكن أن تفقدهم علاقاتهم المصلحية مع طرفي الأزمة. كانت الرسالة الخليجية واضحة إزاء الاثنين، ومفادها أنه لا علاقة لنا بخلافاتكم، فنحن لنا حساباتنا الاستراتيجية التي قد تتوافق معكم وقد تختلف مع حساباتكم. أصبح لدول الخليج العربية مواقفها السياسية وحساباتها الاستراتيجية وبرامجها التنموية، ولهذا باتت تتبنى نهجاً يحفظ لهذه المصالح دروباً آمنة وسط الصراعات الإقليمية والدولية، وهذا الأمر لم يكن ليحدث قبل عشرين سنة تقريباً، لكن اليوم وبعد أن امتلك الخليجيون الآليات والأدوات، فالأمر مختلف. وقد أصبح لدولة الإمارات أجندتها ومواقفها التي قد لا تتفق مع أجندة الولايات بل إن الاختلاف في وجهات النظر أمر وارد ويحدث بين البلدين. الرسالة الخليجية التي لم تصل إلى الكثيرين بعد وهي أن تبرؤ الخليجيين من حملة بوش التصعيدية ضد إيران لا يعني بالضرروة دعما لسياسات ومواقف طهران، بل إن لنا مآخذ كثيرة معلنة منذ فترة ويدركها الجميع حيال برامج ايران النووية وسياسات طهران الإقليمية ولكننا كخليجيين نؤثر ألا نكون طرفا أو أداة في معالجة الأزمات، ونفضل أن تكون لنا كلمتنا التي تتناسب مع مصالحنا ولا ينبغي أن تفهم الرسالة سوى بهذه الطريقة. المتابعة الدقيقة للسلوك السياسي الخليجي عامة، والإماراتي بشكل خاص باعتبارها محطة رئيسية في المنطقة لكل السياسيين، يظهر أنه ينطلق من إدارته للعلاقات الدولية مع الدول الكبرى من فلسفة تبادل المصالح ومن ثقتها بنفسها وهو أمر لم يكن لهذه الدول أن تمتلكه قبل عقدين أما اليوم فقد أحسنت استخدام الأوراق التي بحوزتها. Sowafi@hotmail.com