في سابقة هي الأولى من نوعها في الإمارات أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن تعديل وزاري وشيك في حكومته التي مضى على تشكيلها قرابة العامين. فتح الإعلان الباب على مصراعيه أمام سلسلة من التكهنات والتوقعات في بورصة الوزراء، إن صح التعبير: من سيبقى؟ من سيرحل؟ من سيطاله التغيير؟ ومن سيطال وزارته الإلغاء حتى؟ ما مدى التعديل؟ وما حدوده؟... أسئلة تركها نائب رئيس الدولة معلقه بموعد زمني هو الشهر القادم، وبانتظار القادم نرصد حديث التعديل والتغيير وانعكاساته على مجتمع الإمارات وعلى أحاديث الناس. نطرح كالآخرين أسئلة عن متطلبات التغيير الوزاري: هل يتم في إطار سياسة المحاسبة على التقصير، أو أن متطلبات المرحلة الراهنة بعد أن أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن الخطة الاستراتيجية الاتحادية تتطلب إعادة تشكيل الواقع الوزاري ليتوافق مع المطلوب، أم أن قطار التغيير الاتحادي أسرع من "رتم" بعض الوزراء الاتحاديين؟ تساؤلات أُثيرت ومازالت تُثار وستُثار غيرها حتى بعد إعلان التعديل المرتقب. في البدء لنا وقفة عند التشكيل الوزاري الحالي، فقد شهد إلغاء وزارات واستحداث أخرى، وفصل وزارات ونقل صلاحيات أخرى، كما عكس الطاقم الوزاري رؤية جديدة، فغلب عليه التكنوقراط وحملة شهادات الدكتوراه، إضافة إلى وجود تمثيل نسائي في وزارتي الاقتصاد والشؤون الاجتماعية، إلا أن الوزارات السيادية لم يطلها التغيير، كما غير التشكيل آنذاك من النظرة للعلاقة بين الحقائب الوزارية والإمارات المحلية حسب المحاصصة التي كانت تغلب على التشكيلات الوزارية السابقة، والتي اعتبرت بعض الحقائب حكراً على إمارات دون الأخرى. في الحقيقة كان التشكيل الوزاري نقلة في الفكر السياسي في الدولة، أو حتى صدمة ثقافية لفكر سائد، كان أول خطوة للتغيير السياسي والاجتماعي، تلتها خطوات أخرى، لكنها كانت الأهم. وتأسيساً على ما سبق، فإن أي تغيير وزاري مرتقب سيتجاوز المحاذير السابقة، والتي كانت تُؤخذ بعين الاعتبار عند توزيع الحقائب الوزارية ليؤسس لتغيير قائم على الإنجاز، ويستند إلى أساس المحاسبة على التقصير أو القصور في الأداء. وهو فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وأولوية أعلنها مراراً أمام وزرائه. كشفت الأمطار المنهمرة ضعف البنية التحتية والخدمات في بعض إمارات الدولة، كما أدى تحول كافة الإمارات إلى بركة أمطار وشل حركة سكانها إلى إطلاق حالة من التذمر، ليس من أمطار الخير بالطبع، ولكن بسبب حالة الحصار التي فرضتها الأمطار. وأطلق إعلان سموه عن التعديل الوزاري أثناء زيارته لعدد من المناطق في الدولة الخميس الماضي، للإطلاع على أحوال المواطنين، سباقاً من التكهنات الشعبية، التي تركز بالتأكيد على الوزارات الخدمية، الملتصقة أكثر من غيرها بنبض الشارع. يحدد الفصل الثالث من دستور الإمارات صلاحيات اختصاصات مجلس الوزراء الاتحادي، وتحدد المادة (60) اختصاصات مجلس الوزراء بشكل تفصيلي، بينما تفرض المادة (62) اشتراطات معينة في تولي المنصب الوزاري وهي "لا يجوز لرئيس مجلس الوزراء أو نائبه أو أي وزير اتحادي أثناء توليه منصبه أن يزاول أي عمل مهني أو تجاري أو مالي، أو أن يدخل في معاملة تجارية مع حكومة الاتحاد، أو حكومات الإمارات، أو أن يجمع بين منصبه والعضوية في مجلس إدارة شركة تجارية أو مالية. كما أنه لا يجوز أن يجمع إلى منصبه أكثر من منصب رسمي واحد في إحدى الإمارات مع التخلي عن سائر مناصبه الرسمية المحلية الأخرى إن وجدت" كما تنص المادة (63) على التالي:"على أعضاء مجلس الوزراء أن يستهدفوا بسلوكهم مصالح الاتحاد وإعلاء كلمة الصالح العام، وإنكار المصالح الذاتية، إنكاراً كلياً وألا يستغلوا مراكزهم الرسمية بأية صورة كانت لفائدتهم أو لفائدة من تصلهم به علاقة خاصة". الدستور الاتحادي يبين في مادتيه أن المنصب الوزاري مسؤولية جسيمة، فهو تكليف لا تشريف، وممارسة المهام الوزارية تتطلب تفرغاً من المناصب الأخرى أو المسؤوليات المحلية أو الخاصة، وهو أولوية من لا يجعلها كذلك يخالف مادة صريحة في الدستور الاتحادي، فعصر المسؤول السوبر، انتهى وسياسات سموه الرامية للمحاسبة والشفافية تفرض فكراً جديدا يفترض الرقابة والمحاسبة على أداء الوزراء. وبالنظر لأداء الوزراء في السنوات الماضية، نجد أن التوقعات الشعبية عكست تفاوتات بالنظر للانجازات ونقاط القصور. والملاحظ تركيز جملة الناس على الأداء كمعيار رئيسي، وهي ملاحظة يجب التوقف عندها، لأنها تعكس تغييراً ثقافياً مهماً، كما تعكس التكهنات خيبة أمل كبرى في بعض الوزراء، الذين لم يسجلوا انجازات تحسب لهم حتى لو كانت انجازات كلامية، لذا تكررت بعض أسماء الوزراء في الأحاديث ومنتديات الإنترنت كـ"ضحايا" مرتقبين لعملية التعديل الوزاري، بينما حرك حديث التغيير الكلام حول بعض الوزارات، التي لم تعد لها انجازات تذكر بعد أن سحبت الحكومات المحلية البساط عن الخدمات التي تؤديها، فأصبحت مجرد واجهة في ضوء وجود ازدواجية واضحة بين ما هو محلي وما هو اتحادي، بينما يُنظر إلى أن إلغاء بعض الوزارات أو تحويلها إلى هيئات تلحق بوزارات أخرى، هو تطور طبيعي في عمر الدولة الاتحادية. والواضح أن التمايز بين المحلي والاتحادي يتعرض لحالة من التجاذب والتنافر في الجسد الاتحادي، انعكست على أداء بعض الوزارات الاتحادية والإدارات المحلية، التي توازيها في الاختصاصات والصلاحيات لكنها تقتصر محلياً، فضعف خدمات الأولى وتطور خدمات الثانية في بعض الإمارات والعكس صحيح في إمارات أخرى، خلق حالة عدم توازن انعكست على الوزارات نفسها، لتثير تساؤلات شعبية مشروعة حول بقاء أو زوال بعض الوزارات ووزرائها. في الحقيقة أطلق الإعلان موجة شعبية من التعبير عن الرأي في أداء الوزراء خلال العامين المنصرمين، وهي موجة كان يصعب على المسؤول أو المهتم بالشأن المحلي في دولة الإمارات أن يرصدها حتى لو حاول بالطرق الأكاديمية كالاستبيانات أو استطلاعات الرأي، التي لن تكشف بالتأكيد عن المكنون، فنحن مازلنا ندور في نطاق ثقافة تبتعد عن الانتقاد المباشر لأداء الوزراء، وما دار في جلسات المجلس الوطني خلال الفترة الماضية ظل حبيس القبة الزرقاء، ولم يؤسس حتى الآن لفكر النقد والمحاسبة للسلطة التنفيذية، وهي الأهم في حديث التغيير هذا لتبقى حقيقة أن التغيير سُنة كونية. وبانتظار التغيير الوزاري، مازال حديث التغيير حديث المجالس بامتياز.