لن أخوض في الحديث رداً على ما قيل قبيل زيارة الرئيس بوش للبلاد، والتي نظر إليها البعض على أنها أتت في "الوقت الضائع". إن زيارة رئيس الولايات المتحدة، وهو في السلطة، تعكس بوضوح أهمية الإمارات السياسية والاستراتيجية والأمنية والاقتصادية والتجارية، والتي تشكل في نهاية المطاف أهدافاً استراتيجية بعيدة المدى لسياسة الولايات المتحدة الخارجية تجاه الإمارات. لقد كانت زيارة الرئيس بوش مكسباً سياسياً وأمنياً واقتصادياً للدولة، يتوجب علينا البناء عليه لكسب المستقبل إلى جانبنا. صحيح أن الرئيس بوش في شهوره العشرة الأخيرة في السلطة، ولكن الولايات المتحدة بلد مؤسسات تعمل بشكل متكامل، ومن يأتي لاحقاً يبني على ما أسسه أسلافه سابقاً، ولا يستطيع أحد الخروج عن الاستراتيجية العظمى للبلاد. قد يختلف الأسلوب وطرق المعالجة ولكن الأهداف الاستراتيجية وخريطة المصالح الوطنية العليا تبقى كما هي. ما أطرحه هنا مبني على أن الولايات المتحدة هي عملاق عسكري واقتصادي، وهذه الحقيقة لم تتغير كثيراً منذ زوال الحرب الباردة رغم ما تعانيه الآن من مأزق سياسي في العراق، وكل من يقول بغير ذلك واهم، فهي ستبقى قوة وحيدة مؤثرة على الصعد العالمية. وهذا الأمر يتضح من سعيها الحثيث إلى إعادة تقييم دورها العالمي والتصدي لمهمة بناء سياسة خارجية جديدة تتماشى مع أوضاع مابعد غزو العراق. وعلى مستوى الداخل الأميركي، يلاحظ أن نهاية الحرب الباردة وظهور السوق العالمية وغزو العراق، شكلت نقاط تحول تاريخية وخدمت كوعاء لتواجد حوار غير متبلور بعد على المستوى الوطني. ذلك الحوار يغطي قضايا تتعلق بالسياستين الخارجية والدفاعية مع تركيز خاص على السياسة الاقتصادية-التجارية الخارجية. النقاش حول دور الولايات المتحدة العالمي يتصف ببروز عدد كبير من التنظيرات والمواقف، وهنا يمكنني الإشارة إلى أن العالم يطلب منها الآن الكثير، فهو يطلب منها أن تتبنى أهدافاً سياسية خارجية ممتدة صعبة التحقيق، بما في ذلك تأييد الديمقراطية وحقوق الإنسان والحقوق المدنية والمساواة أمام القانون وحماية الأقليات وحق تقرير المصير، وعالم يسوده النظام والأمن واحترام القانون الدولي وحماية البيئة العالمية والحد من تجارة الأسلحة التقليدية، ومنع انتشار الأسلحة النووية. وهذا غيض من فيض دون الالتفات إلى محدودية قدرة سياستها الخارجية على تحقيق كل ذلك دفعة واحدة، وإلى الصراعات الموروثة والمساومات المتبادلة الداخلة في صميم الاهتمامات العالمية. إن الحديث عن "ضمور الولايات المتحدة الاقتصادي" هو ردة فعل على تراجع قوتها العسكرية نسبياً على ضوء التجربة العراقية، وعلى المنافسة الاقتصادية المتزايدة، وعلى عدم استقرار أسعار النفط العالمية. وفي تقديري أن مقولة نهاية الهيمنة العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة لا يمكن أخذها على علاتها بهذا الشكل، وهي قابلة للنقاش رغم أني غير مقتنع بها، لأن الولايات المتحدة ستبقى عملاقاً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً إلى عقود قادمة من هذا القرن. إن الإمارات تتنافس مع عدد كبير جداً من الدول النامية لبناء شراكة حقيقية مع الولايات المتحدة، في مثل هذه البيئة المعقدة التي ليس من السهل تحقيق الأهداف الاستراتيجية ضمنها إلا بوجود سياسة خارجية عالية المستوى للإمارات، يرسمها ويخطط لها وينفذها كادر بشري كفؤ. وكمراقب يعايش وضع الولايات المتحدة الداخلي عن كثب، يمكنني الإشارة إلى وجود منظومة من التفسيرات التي تشرح موقع الولايات المتحدة الحالي من الأمن والاقتصاد ومجمل الشأن العالمي، ولكن في هذا المقام لا يمكن الإسهاب وتحليل جميع مفردات تلك المنظومة لضيق المساحة، إلا أنه أخذاً بعين الاعتبار قوتها العسكرية-الاقتصادية المتزاوجة، ستبقى الولايات المتحدة قائداً عالمياً في الآتي من السنوات. زيارة الرئيس بوش للإمارات تشكل منعطف نجاح لقدرة الإمارات على تسجيل مكاسب حقيقية في شراكتها المستقبلية القوية مع الولايات المتحدة، إن هذه الزيارة أتت في الوقت الذي تسعى فيه الأخيرة إلى تحديد استراتيجية عظمى جديدة لها. وبالنظر إلى خطورة وفجائية الأحداث والتغيرات المستقبلية التي ستلم بمنطقة الخليج، فإن مراجعة السياسة الخارجية الأميركية باتت حتمية، ودون شك فإنها ستتأثر باهتمامات الميزانية والرغبة في تخصيص موارد السياسة الخارجية بشكل أكثر كفاءة عبر التعريف الدقيق لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، إلا أنه يبدو أن الإمارات قد دخلت الآن في دائرة مصالح الولايات المتحدة الحيوية، لذلك فإن علينا الاستفادة القصوى من دروس زيارة الرئيس بوش لبلادنا، ومن الوضعية الجديدة والسعي الحثيث لمزيد من الشراكة المثمرة معها في مواجهة ما قد يتسبب فيه البعض من مساس بمصالحنا الوطنية العليا.