كانت رسالة واضحة أن يقوم نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد الصباح بزيارة طهران قبل أن يختتم بوش زيارته التاريخية للمنطقة، الرسالة مفادها أننا نتحرك وفقاً لمصالحنا في الخليج، والتي قد لا تتوافق دوماً مع مصالح الولايات المتحدة الأميركية، كما أننا لا نتفق معك بالتصعيد والمواجهة مع إيران ومحاصرتها ومقاطعتها دون غطاء دولي. صحيح أن الزيارة كانت مجدولة سلفاً، لكن المتابعين حاولوا ربطها بزيارة بوش للمنطقة. الزيارة رافقتها وأعقبتها تصريحات إيجابية بين الطرفين الكويتي والإيراني، وأخبار عن التوصل إلى اتفاقات بخصوص ترسيم الجرف القاري بين البلدين، واتفاق آخر حول المياه والغاز من إيران. استقلالية القرار الكويتي واختلافه الواضح مع التصعيد الأميركي ضد إيران، يجعل الواحد يتساءل: إن كانت الكويت الأقرب حلفاً مع الولايات المتحدة، ردت بهذا الشكل الذي لا يقبل تأويلاً، ترى: ماذا قيل لبوش في باقي العواصم الخليجية الأخرى التي زارها تجاه إيران؟ دعوات بوش المتشددة ضد إيران قابلتها الصحافة ووسائل الإعلام الخليجية بالبرود الشديد، إن لم يكن بالمعارضة الواضحة للاصطفاف في الخندق الأميركي المعادي لإيران. بالطبع كان مبرر بيع الأسلحة هو الغالب في المعارضة الخليجية للسياسة الأميركية ضد طهران، بمعنى أن كثيرين يرون التصعيد هدفه التخويف من الخطر الإيراني لبيع أسلحة تلتهم صفقاتها الفوائض المالية الخليجية التي نتجت عن ارتفاع أسعار البترول. إضافة إلى العداء التلقائي لكل ما هو أميركي، والذي يكمن في ثنايا أصحاب الزوايا والكُتاب. لكن السؤال المهم هنا هو: كيف تفهم إيران هذه الرسالة الخليجية وتترجمها وتتعامل معها؟ هناك مدرستان إيرانيتان لفهم الموقف الخليجي المعارض للتصعيد الأميركي ضد إيران: مدرسة تقول إن الخليجيين مدركون لضعف بوش وبعدم قدرته على فتح جبهات أخرى لأنه مشغول بالعراق وبأفغانستان، وبالتالي لو أن الخليجيين متأكدون من قدرة بوش على المواجهة مع إيران لما ترددوا في تأييده. وبالتالي فإن هذا الموقف يعبر عن ضعف العرب، وعن هزيمة بوش في محاولاته الدائمة للتحريض والتصعيد ضد الجمهورية الإسلامية، وهذا النصر إنما هو انتصار "إلهي" منحنا الله إياه، وعلينا بمزيد من التشدد نصرة لله القائل: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم". المدرسة الثانية في إيران ترى أن هذا موقف يحسب لصالح العرب وجيراننا الخليجيين، وعلينا أن نبادر بإظهار حسن نوايا والرد على التحية العربية بمثلها، كأن نفتح حواراً طال انتظاره حول الجزر الإماراتية، ونقلل من تعقيدنا للوضع الداخلي اللبناني بأن نقدم الدعم للمبادرة العربية لحل الأزمة اللبنانية بحثِّ "حلفائنا" هناك (حزب الله تحديداً) على التعامل الإيجابي معها، ونساهم في خلق أوضاع أقل حدة طائفية في العراق. ترى هذه المدرسة ضرورة استثمار الحالة الإيجابية الخليجية تجاه إيران قبل فوات الأوان. يُقال إن أتْباع المدرسة الأولى ترجموا موقفهم بالتحرش بالأسطول الأميركي بالخليج، وبإطلاق صورايخ على قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان، والإيعاز لـ"حماس" بالتصعيد بإطلاق المزيد من صواريخها على "سديروت" الإسرائيلية عشية قدوم بوش للمنطقة. عربياً، غلب على جولة بوش "مانشيت" الدولة الفلسطينية والسلام بين العرب والإسرائيليين قبل انتهاء ولايته، فكان الرد من المدرسة الصهيونية المتشددة والمتحالفة مع المدرسة الإيرانية الأولى- بتلقائية، ببناء مزيد من المستوطنات وتصعيد في غزة توج بمجزرة عشية مغادرة بوش للمنطقة أسفرت عن قتل وجرح العشرات من الفلسطينيين، وكأنما لسان حال الإسرائيليين على جهود الرئيس الأميركي للسلام هو: "خذها يا بوش من كف صاحب!". سيعود بوش للمنطقة في مايو، ترى كيف سيكون الرد على جهوده حينها؟