عشية زيارة "بوش" إلى مملكة البحرين، قامت المعارضة بالتظاهرات الرافضة لقدومه بحجة أن الرجل لم يقدم شيئاً لفلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها من البلدان التي تمتد إليها المظلة الأميركية وفقاً لسياسة خارجيتها. وفي لقاء إعلامي مع أحد رموز المعارضة وجه إليه الصحفي سؤالاً مباشراً فحواه، لو أن "بوش" قام بما فيه الكفاية لحل تلك المعضلات والصعاب، هل تنتهي معارضتكم له؟ فأجاب بالنفي القاطع، فتساءل الصحفي قائلاً: إذاً، فما هو المنطق المقبول لهذه المعارضة، أهي من أجل المعارضة ذاتها وما قيمتها بالنسبة لكم؟! إذا أردنا أن نحلل هذه الظاهرة المستغربة من أوجه المعارضات المعروضة على امتداد العالم بكل تنوعه، نصل إلى نقطة حاسمة في قضية بعض المعارضين الذين من المفترض أن يكونوا البدائل الديمقراطية لمجتمعاتهم، فإذا كان "فكر الشيطان الأكبر" لا زال مستحكماً في سبيل الظهور فقط بمظهر المعارض، فإن الاعتماد السياسي لمستقبل أفضل غير وارد، حتى بالمفهوم البراجماتي للسياسة التي تزن الأمور غالباً بميزان المصلحة قبل أي شيء آخر. بوش عندما كان هنا، قال كل ما يريده بكل صراحة سواء رضي المعارضون أم غضبوا، والآخر يتوارى إلى الظل خوفاً وطمعاً في تولي زمام السلطة التي من البداهة أن يتطلب ذلك رضاً أميركياً من نوع مَّا. إذاً القضية ليست متركزة في بوش الجمهوري أو المقبل من نفس الحزب أو غيره، فمنطق هذا النوع من المعارضين ضعيف إلى درجة الضحالة في الطرح الذي لا يبني مجتمعاً ديمقراطياً يراد له مناطحة الديمقراطيات في العالم. أما "بوش" هناك، بعد انتهاء هذه الجولة التي دار السجال حولها سواء وصفت بأنها في الوقت الضائع أو اللحظات الأخيرة من فترة ولايته، وعدم إضافة شيء إلى الأجندة العامة لسياساته الصقرية، فقد يظن البعض أن الجعبة الأميركية، وهي غير مرتبطة بالأشخاص الذين يقودون أميركا، قد أفرغت من كل فائدة، وأن الدور المطلوب الآن بيد زعيم مجهول لم يعرف خريطة طريقه بعد. ولو تركنا "بوش" في حال سبيله قليلاً وأردنا أن نبحث عن زعيم آخر يحمل ثقل أجندة بوش السياسية وهي الممتدة أو الملفوفة حول عنق الكرة الأرضية وبشهادة بعض الحانقين على أميركا بأن الانعتاق منها صعب المنال لأنها لا تحيط بالسياسة فقط، فإن القضايا التي تختلط فيها النكهة الأميركية من السعة والتعدد بحيث يصعب الهروب منها إلى غيرها. أما المعمرون ممن نحبهم أو نضمر لهم الكراهية، فهم يعيشون حياتهم ونعني بهم الشعب الأميركي الذي لا يتصرف وفقاً لأجندة الساسة هناك، فقد عجزنا عن فهم هذه المعادلة، فإذا تكلمنا عن أميركا فلا يدور بخلدنا إلا شخص الرئيس أو وزير خارجيته، وهما اثنان من قرابة ثلاثمائة مليون أميركي يحب السلام والوئام ولا يذهب منهم إلى صناديق الاقتراع إلا أقل القليل، فالحكم على بوش لا ينبغي أن يسري على الشعب الذي يعارض سياسته أكثر مما يعارضه البعض في مجتمعاتنا. أليست هذه المفارقة تجعلنا نتمهل قليلاً في ردود أفعالنا السلبية على كل شيء أميركي حتى لو كانت المركبة التي نقودها إلى المتاهات الفكرية التي لا تبني لمجتمعاتنا شيئاً مذكوراً ولا للآخرين فكراً نيراً. هناك شريحة من البشر ممن يكره من أجل الكره، ويقاطع من أجل المقاطعة، ويعارض من أجل المعارضة، ويقضي عمره مفسراً الماء بعد الجهد بالماء دون أن يضيف إلى الحياة معنى سامياً أو شيئاً زائداً فيصبح هو الزائد عليها، فأي معارضة وفق هذا فعلى الدنيا السلام.