زيارة بوش الشرق أوسطية... والهوة البريطانية- الأوروبية بوش وقاطرة السلام الشرق أوسطية، وبعض أخطاء الحرب على الإرهاب، ودروس من الانتخابات الأميركية، وجوردون براون و"أوروبية" بريطانيا... موضوعات نعرض لها ضمن جولة سريعة في الصحافة البريطانية. لماذا تأخرت قاطرة بوش؟ في عددها الأخير، علقت مجلة "ذي إكونوميست" في مقال افتتاحي لها، على جولة الرئيس بوش الشرق أوسطية، قائلة إنها جاءت مسبوقة بمشاعر الإحباط التي كانت سبباً لتأجيلها وإبطائها كل هذه السنين، إلى أن تحققت أخيراً. فعلى رغم تصريح بوش خلال زيارته لإسرائيل، بأنه رأى فرصة جديدة تلوح للسلام الإسرائيلي- الفلسطيني، إلا أن المشكلة أنه لم يتبق له ما يكفي من الوقت لتحقيق "رؤيته" الخاصة بالإعلان عن دولة فلسطينية حرة مستقلة، تعيش جنباً إلى جنب مع الجارة الإسرائيلية. ووصف المقال تحقيق هذه الرؤية في ظل إدارة بوش الحالية بالاستحالة، استناداً الى سببين، أولهما اتساع الفجوة الكبيرة بين طرفي النزاع، فيما يتعلق بجملة من المسائل الخلافية الرئيسية. وعلى رغم صفة "الاعتدال" التي تطلق على كل من إيهود أولمرت ومحمود عباس أبومازن، إلا أن الهوة بينهما تظل كبيرة للغاية، ما أن يصل الأمر إلى قضايا الوضع النهائي: مصير مدينة القدس، ترسيم الحدود النهائية لدولة إسرائيل، ومصير اللاجئين الفلسطينيين، إلى جانب قضية المستوطنات اليهودية. ولكلا الطرفين ما يتمسك به بالطبع، على أن قيام أي دولة فلسطينية مستقلة، يستلزم إجراء تعديلات طفيفة لا تذكر، على حدود الدولة اليهودية قبل حرب عام 1967، وتحديد مصير مدينة القدس بما يلبي متطلبات الإرادة الفلسطينية، فضلاً عن ضمان حق اللاجئين إلى ديارهم وبيوتهم. أما العامل الثاني الذي يسهم في استحالة تحقيق رؤية بوش هذه في ظل إدارته الحالية، فيتلخص في الانقسام الحاد الأخير الذي حدث في صفوف الحركة الفلسطينية نفسها، بين "فتح" و"حماس". إلا أن المقال خلص إلى أنه لا يزال في وسع بوش تذليل عملية السلام هذه بين الطرفين، على من سيخلفه في منصبه الرئاسي على أقل تقدير. لا أخلاقية الحرب: هذا ما كتبت عنه صحيفة "الجارديان" في افتتاحيتها ليوم أمس الأول، من خلال إثارتها للسؤال: هل يمكن الفوز بالحرب المعلنة على الإرهاب، أم أن المصاعب المعقدة التي تواجهها الحملتان الأميركيتان في كل من العراق وأفغانستان، تشير إلى استحالة الفوز بها سلفاً؟ والإجابة المشتركة عن هذين السؤالين، هي خسارة الحرب لمصداقيته الدولية، نتيجة لعدم تمسكه بنصوص القانون الدولي، وانتهاكه لحقوق الإنسان، ضمن سعيه لمكافحة الإرهاب وحماية الأمن الدولي. فعلى رغم استهجان الدوائر الرسمية في واشنطن، لكل من يدعو إلى تقييد الحرب باحترام حقوق الإنسان، وإضفاء طابع أخلاقي قانوني عليها، قوامه نصوص القوانين والمعاهدات الدولية، إلا أنه لا مفر من التقيد بهذه المواثيق، بما فيها "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" إن كان للغرب أن يستعيد مصداقيته المفقودة. والدليل أن الحرب الأفغانية –خلافاً لما هو عليه الغزو الأميركي للعراق- قد اكتسبت شرعيتها عبر مجلس الأمن الدولي في عام 2001. ولكن المشكلة هي تواتر الأنباء والتقارير عن الاستخدام المفرط للقوة، وعن ممارسات الاعتقال التحفظي العشوائي، إضافة إلى إساءة معاملة السجناء الأفغان. وفي كل هذه الممارسات، ما يلهب مشاعر العداء للغرب، ويسعّر نيران الإرهاب، بدلاً من إطفائها. الدرس البريطاني من الانتخابات الأميركية: قال الكاتب "أندرو راونسلي" في مقاله التحليلي الذي نشرته له صحيفة "ذي أوبزرفور" في عددها بتاريخ 13 يناير الجاري، إن الحملة الانتخابية الأميركية الجارية الآن، قد جاءت مصحوبة بالكثير من الشعارات السياسية، إلا أنه يمكن تلخيصها جميعاً في شعارين اثنين فحسب: "من الأفضل لك أن تصوت لمن تعرفه" و"المطلوب هو التغيير السياسي". ولكن المشكلة أنه لم يعد في وسع المتربع حالياً في البيت الأبيض، أن يمتد به البقاء لولاية ثالثة. كما لم يعد ممكناً لنائبه ديك تشيني، المحافظة على منصبه الحالي. ولذلك فإن الملخص النهائي لكل هذه الشعارات هو "مطلب التغيير السياسي". وهذا هو الشعار الذي تدور حوله الحملة الانتخابية بالفعل، من السيناتور الشاب باراك أوباما، إلى أكبر منافسيه في السباق الرئاسي سناً، "جون ماكين"، مروراً بـ"هيلاري كلينتون" بالطبع. فالجميع يدعي أنه يحمل معه بذرة التغيير والمستقبل الأفضل الذي تتطلع إليه البلاد. وفي هذه المعركة الانتخابية الأميركية، الكثير من الدروس التي يمكن للقادة السياسيين البريطانيين، تعلمها أثناء خوض معاركهم الانتخابية الداخلية هنا، خاصة في إطار المقارنة بين ما حدث لـ"هيلاري كلينتون" من إخفاق في ولاية أيوا، ثم عودة قوية في ولاية نيوهامشير، واعتقاد "جوردون براون" بأنه رقم سياسي لا يمكن تجاوزه، على رغم المصاعب التي تمر بها حكومته. كما يدرك "براون" أن الحكومات تظل عرضة "للتغيير"، حتى وإن رسخت في كراسي الحكم لأكثر من عشر سنوات، مثلما حدث لحكومة سلفه بلير. ولعل هذا ما دعاه إلى تكرار ذكر عبارة "التغيير" تارة تلو الأخرى، في أول خطاب رسمي له ألقاه خارج مقر إقامته في 10داونينج ستريت. ولكن السؤال هو: ما التغيير الذي يرمز إليه "جوردون براون" أصلاً، طالما أنه كان طرفاَ في الجزء الغالب مما أنجز من سنوات توني بلير؟ "أوروبية" بريطانيا: هذا هو ما تناوله مقال الكاتب "فيليب ويبستر"، في مقاله التحليلي المنشور بصحيفة "التايمز" بتاريخ 14 يناير الجاري. وجاء هذا المقال تعليقاً على تأكيدات "جون براون" الأخيرة بأن سر نجاح الاقتصاد البريطاني، إنما يعود إلى عضويتها في الاتحاد الأوروبي. لكن وعلى رغم تأكيدات "براون" القوية لالتزاماته الأوروبية – في ردة فعل منه على الانتقادات التي وجهت له مؤخراً فيما يتعلق بتأخر توقيعه على اتفاقية ليشبونة- بما في تلك الالتزامات، اعتزامه مشاركة كل من إيطاليا وألمانيا وفرنسا، إنشاء منطقة حرة تضم 200 دولة، تقوم فكرتها على الحدود والتجارة المفتوحة أمام تدفق الأموال والأفراد والأفكار، إلا أن من رأي الكاتب أن رئيس الوزراء يتجاهل حقائق الواقع البريطاني، الرافض لعملة اليورو، ولفكرة الحدود المفتوحة التي ما انفك يروج لها. إعداد: عبد الجبار عبدالله