تستضيف العاصمة أبوظبي منتصف الأسبوع القادم القمة العالمية للطاقة المستقبلية، التي ستعقد بمشاركة أكثر من خمسة آلاف مدعو من رؤساء الدول، وأفراد الأسر المالكة، وكبار المسؤولين الحكوميين، بالإضافة إلى كوكبة من العلماء، وأصحاب رؤوس الأموال، بهدف تبادل الخبرات والممارسات والآراء بشأن الطاقة ومصادرها المستقبلية. ويعتبر الوقود الحيوي (Biofuel) أحد أهم مصادر الطاقة المستقبلية، والذي يمكن تعريفه على أنه الوقود الصلب، أو السائل، أو الغازي، الذي يتم استخلاصه من مادة عضوية. أبسط مثال على هذا النوع من الوقود، هو استخدام الأخشاب، والحطب، أو أحياناً روث الحيوانات، لتوليد الحرارة لأغراض الطهي أو التدفئة، وهي الاستخدامات التي مارسها الإنسان منذ بدايات تاريخه على سطح الأرض. وإن كان مصطلح الوقود الحيوي أصبح يطلق مؤخراً في الغالب على السوائل والغازات التي يتم استخلاصها من المواد العضوية لأغراض النقل البشري، مثل السيارات والشاحنات والطائرات. ولذا يمكن تعريف الوقود الحيوي بشكل ضيق، على أنه كحول الإيثانول، والديزل، وغيرهما من أنواع الوقود السائل، الذي يتم استخلاصه من نبات الذرة، أو قصب السكر، أو بذور نبات (Rapeseed). ومنذ فترة ليست بالقصيرة، اعتبر الكثيرون أن الوقود الحيوي هو الحل النهائي للعديد من المشاكل التي ظهرت مع زيادة اعتماد الإنسان على الآلات الميكانيكية في الحركة والتنقل، وخصوصاً في ظل محدودية المخزون العالمي من الوقود الأحفوري مثل النفط والفحم، وما ينتج عنهما من غازات ضارة مثل ثاني أوكسيد الكربون المسؤول عن ظاهرة الاحتباس الحراري المتوقع لها أن تتسبب في تغيرات مناخية كارثية. فالنباتات التي يعتمد عليها في إنتاج الوقود الحيوي، هي مصدر متجدد لا ينضب. بالإضافة إلى أن هذه النباتات تستخدم كميات كبيرة من غاز ثاني أوكسيد الكربون، في عملية البناء الضوئي الضرورية لنموها. وهو ما يعني نظرياً، أن ما سيتم إنتاجه من ثاني أوكسيد الكربون أثناء حرق الوقود الحيوي، سيعاد امتصاصه مرة أخرى من خلال العملية الطبيعية اللازمة لإنتاج هذا الوقود من الأساس. وإذا ما أضفنا إلى هذا وذاك، قلة الاستثمارات المالية المطلوبة لتعديل محركات السيارات والشاحنات كي تصبح قادرة على استخدام الوقود الحيوي، مقارنة بالاستثمارات المالية الضخمة الضرورية لتعديل تلك المحركات كي تصبح قادرة على استخدام الطاقة الكهربائية، أو طاقة خلايا الهيدروجين، نجد أن الوقود الحيوي يتمتع بالعديد من المزايا التي تجعله حلاً مثالياً لمشكلة الاعتماد المتزايد للجنس البشري على أشكال الطاقة المختلفة، أو على الأقل كان هذا هو الاعتقاد السائد قبل فترة ليست بالطويلة. فبالنسبة للميزة المتعلقة بثاني أوكسيد الكربون، أظهرت عدة دراسات علمية حديثة أن درجة الخفض في إنتاج هذا الغاز ليست بقدر التوقعات الأولية، بسبب الاختلافات الهائلة في طرق الإنتاج، والمعتمدة على أي نوع من النباتات ستتم زراعته، وأين ستتم الزراعة، وكيف سيتم الحصاد، وغيرها من العوامل. وهو ما أكدته العديد من التقارير خلال السنوات القليلة الماضية، التي خلصت إلى أن الوقود الحيوي في العديد من الحالات لا يقلل من انبعاث ثاني أوكسيد الكربون بدرجة تذكر. ويرى البعض أن الترويج لفكرة الاعتماد على الوقود الحيوي وما يحمله من ميزة خفض انبعاث ثاني أوكسيد الكربون، أدت إلى تراخٍ سياسي وعلمي في السعي نحو تحقيق الهدف الأهم، وهو تطوير وسائل تكنولوجية حديثة للمواصلات، تستهلك الطاقة بكفاءة أعلى وتنتج كميات أقل من الغازات الضارة. وعلى ما يبدو أن التأثيرات السلبية الأخرى للوقود الحيوي على النظم البيئية من نباتات وحيوانات لم تكن أيضاً في الحسبان. أحد تلك التأثيرات ظهر في شكل تدمير الغابات المطيرة، واقتلاع الأشجار والنباتات، خصوصاً في جنوب شرق آسيا، كي يتم استبدالها بمزارع نخيل الزيت، أحد المصادر الرئيسية لإنتاج الوقود الحيوي. فعلى العكس، لم يحقق الوقود الحيوي الحفاظ على البيئة، بل أدى في الكثير من الأحوال إلى تسارع تدميرها، في شكل فقدان للتنوع البيئي بدرجة خطيرة. فمناطق الغابات التي تم اقتلاعها، كانت تحتوي على المئات والآلاف من أصناف النباتات والحيوانات المختلفة، تم استبدالها بنوع واحد أو اثنين فقط من النباتات، وهو ما جعلها غير صالحة للحياة للعديد من الحيوانات التي كانت تقطنها سابقاً. الأثر الآخر لزيادة إنتاج الوقود الحيوي، ظهر في شكل ارتفاع مضطرد في أسعار المحاصيل الغذائية. هذا الأثر كان قد نبَّه إليه الرئيس الكوبي "فيدل كاسترو" في مقالين شهيرين نشر آخرهما بداية شهر أبريل الماضي، وانتقد فيه سعي الولايات المتحدة لاستخدام المحاصيل الغذائية كوقود للسيارات الأميركية الضخمة، مشيراً إلى أن مثل هذا الاتجاه سيؤدي إلى زيادة العبء الغذائي على الشعوب الفقيرة، وستنتج عنه زيادة في معدلات الجوع والفقر حول العالم. وهو ما حدث بالفعل، حيث بلغت أسعار المحاصيل الغذائية في الأسواق العالمية أرقاماً قياسية خلال الشهور الأخيرة، وخصوصاً الذرة والقمح والأرز، مما أدى ببعض الدول إلى تحريم تصدير هذه المحاصيل إلى خارج أراضيها. جميع هذه السلبيات التي ظهرت مؤخراً، أضعفت من مكانة الوقود الحيوي كمصدر فعال لسد احتياجات الطاقة في المستقبل، وقللت من الخيارات المطروحة حالياً لأزمة الطاقة العالمية المتزايدة يوماً بعد يوم. د. أكمل عبد الحكيم