يحظى الموروث التاريخي بأهمية خاصة ضمن قائمة أولويات الحفاظ على الهوية الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة وتعزيزها، في ظل توجيه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، باعتماد العام الاتحادي الجديد عاماً للهوية الوطنية، بتعزيز عناصرها، وتعميق مكوناتها، وتكريس ممارساتها، وتحديد مهدداتها. الأهمية الخاصة التي يحظى بها الموروث التاريخي، تستند إلى حقائق عدة أساسية: أولها، أن هذا الموروث هو الذي يجسد الشخصية الوطنية للدولة ويعطيها طابعها المتميز. وثانيها، أن هذا الموروث يحدد ملامح الصورة القومية للمجتمع، التي تطورت عبر مراحل تاريخية مختلفة إلى أن تجسدت في شكل معين، يميز الشعوب عن بعضها بعضاً. وثالثها، أن هذا الموروث يتضمن المعايير الأساسية الحاكمة لتطور المجتمع، على النحو الذي يبعده عن إمكانية الانخلاع عن ذاته وخصوصيتها الثقافية والاجتماعية، ذلك أن الموروث التاريخي يضع المعايير الأساسية لما يمكن الأخذ به وما هو مرفوض في سياق انفتاح الدول والمجتمعات على الدول والمجتمعات الأخرى. عنصر الموروث التاريخي، على هذا النحو، يجب أن يحظى بأهمية استثنائية في سياق خطط وبرامج تعزيز الهوية الوطنية. من هنا، فإن إعلان "هيئة أبوظبي للثقافة والتراث"، عن بدء الهيئة إعداد دراسات جدوى واستشارات فنية لمشروع تأسيس متحف للثقافة البدوية في إمارة أبوظبي، يحظى بأهمية فائقة، حيث إن هذا المتحف، الذي يعد الأول من نوعه على مستوى العالم، يُعنى بالحفاظ على التراث البدوي العريق، ونشر الوعي بالثقافة والقيم البدوية الأصيلة في العائلة والمجتمع، ويكتسب هذا المشروع أهمية إضافية بالنظر لكونه لن يكون مجرد متحف تقليدي يُعنى بالتراث المادي فقط، بل سيعنى كذلك بالتراث المعنوي وتنظيم الفعاليات الثقافية ذات الصلة بالتراث البدوي، ليكون متحفاً ومركزاً ثقافياً في آن واحد. وتنهض فكرة تأسيس هذا المتحف على استراتيجية ذكية مفادها الحفاظ على التراث الثقافي لإمارة أبوظبي، وضرورة العمل على تكريم وإحياء القيم البدوية الأصيلة في العائلة والمجتمع. كقيم الاعتزاز بالنفس، والولاء للوطن والهوية والتمسك بالعادات والتقاليد الأصيلة. وإذا كان الموروث التاريخي يحظى بهذه الأهمية الفائقة كسبيل للحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيزها، فإنه يجب تفعيل الجهود الهادفة إلى تعزيز هذا الموروث في المجالات المختلفة، وفي مقدمتها دعم جهود وبرامج الهيئات والمؤسسات الموكول إليها تحقيق هذا الهدف. ولاشك في أن دولة الإمارات العربية المتحدة التي تعطي أهمية كبيرة لتعزيز هويتها الوطنية في ظل وجود ما يسمى بخلل التركيبة السكانية، تدرك أهمية الحفاظ على الموروث التاريخي الذي يشكل جوهر الشخصية القومية للمجتمع. ولا شك في أن المزيد من دعم قيمة هذا الموروث يتطلب المزيد من العمل على مستويات أساسية عدة، منها ما يتعلق بالتعليم، ومنها ما يخص الإعلام، ومنها ما ينصرف إلى عنصر التنشئة الاجتماعية للأجيال الجديدة. إن مشروع تأسيس متحف للثقافة البدوية يعد مدخلاً ذا أهمية خاصة لتعزيز قيمة الموروث التاريخي وما يتضمنه من قيم ثقافية واجتماعية خاصة بالمجتمع، وهو يتمتع بأهمية كبيرة في مجال الحفاظ على الهوية وتعزيزها. ومن ثم، فإنه يعد مبادرة مهمة ضمن الخطط والبرامج الخاصة بترسيخ وتمتين الهوية الوطنية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.