يوصف الوضع الأمني في أفغانستان في اللحظة الراهنة بـ"المتردي" بسبب تزايد نشاط متمردي "طالبان" الذين يقاتلون القوات التي يقودها "الناتو" هناك. وعلى الرغم من أن عدد الجنود الأجانب في أفغانستان قد وصل الآن إلى 40 ألف جندي (منهم 14 ألف أميركي)، فإن هذا العدد ليس كافياً للاحتفاظ بالسيطرة على القرى الواقعة في مختلف أنحاء البلاد. من ناحية أخرى، نجد أن الجيش الأفغاني الذي ينمو ببطء من ناحية الحجم والكفاءة لا يزال صغيراً للغاية، وبشكل لا يكفي لحماية السكان الخائفين، الذين أرهقتهم الحرب. في محاولة منها لتحسين الأوضاع، عملت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة على جعل مسألة التدريب التدريجي لأعداد متزايدة من رجال الشرطة المحلية في الأقاليم المختلفة ضمن أولوياتها خصوصاً على ضوء حقيقة أن الفساد متفشٍ في وحدات الشرطة الأفغانية الواقعة في غالبية الأحيان تحت سيطرة أمراء الحرب والمليشيات. وإذا ما افترضنا، على سبيل الجدل، أن تلك الاستراتيجية يمكن أن تنجح، فإن الأمر المؤكد هو أنها ستحتاج إلى عدة سنوات على الأقل– هذا إذا توافر مثل هذا الوقت في الأساس- علاوة على نقطة أخرى مهمة، وهي أنها لا تضع في اعتبارها احتمال تدهور الموقف نتيجة لتطورات معينة، قد تحدث في المنطقة مثل انهيار الأمن في دولة باكستان المجاورة على سبيل المثال. في الوقت الراهن، تحاول الولايات المتحدة الإسراع بتكوين كتائب عسكرية للجيش الأفغاني، إلا أن تلك المحاولة تكتنفها بعض المصاعب، ومنها أن تكوين هذه الكتائب -في حد ذاتها- وتطوير قدرتها على الحركة السريعة، وقدراتها التكنولوجية اللازمة قد يحتاج إلى وقت أطول بكثير مما يقدر المسؤولون الأميركيون. هناك استراتيجية أرى أنها ستكون أفضل في حالة تطبيقها في أفغانستان، ألا وهي تطبيق نظام التجنيد الإجباري، الذي سيساعد على تجنيد أعداد كبيرة، بما يكفي لبناء قوة عسكرية أكبر حجماً في وقت قصير للغاية اعتماداً على القوة الاحترافية الموجودة الآن بالفعل. ومن المرجح أن يلجأ الرئيس حامد قرضاي والبرلمان الأفغاني إلى اعتماد نظام التجنيد الإجباري، كاستجابة وطنية للتهديدات التي تواجه البلاد الآن من جانب مقاتلي "طالبان"، خصوصاً إذا ما أخذنا في اعتبارنا، أن هذا النظام كان معمولاً به بالفعل -تاريخياً- في أفغانستان. بيد أن هذا النظام قد يواجه في حالة تطبيقه بعض الصعوبات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: أن السجلات الخاصة بنظام التجنيد الإجباري القديم لم تعد متاحة، وأنه لن يعود ممكناً إعفاء بعض القبائل من هذا النظام لاعتبارات خاصة، كما كان يحدث في النظام القديم، بالإضافة إلى عدم توفر القدرة المالية لدى الحكومة الأفغانية، التي تمكنها من دفع رواتب القوة الجدية (تقليدياً لم يكن الجنود الأفغان يتقاضون رواتب، وإنما كانوا يعملون كنوع من تأدية واجب الخدمة العسكرية). يستطيع الأفغان بالطبع إيجاد حلول لمثل هذه المشكلات، خصوصاً أن السوابق التاريخية تدل على أنه من الممكن تنظيم قوة عسكرية كبيرة خلال وقت وجيز. ففي أثناء الحرب الكورية التي اندلعت في خمسينات القرن الماضي، ساعدت الولايات المتحدة على بناء جيش قوامه 700 ألف جندي في دولة لا يزيد عدد سكانها عن ثلثي العدد الحالي لسكان أفغانستان. صحيح أن الجيوش في ذلك الوقت، لم تكن على نفس مستوى التطور، الذي تتسم به معظم الجيوش الحديثة، ولم تكن تحتاج إلى معدات لوقاية الجنود، ووسائل اتصالات فائقة التقنية، وعربات "هامفي" مدرعة كما هو حادث الآن، إلا أنها كانت كافية مع ذلك لمواجهة تهديدات تفوق تلك التي تواجه الجيش الأفغاني الحالي من ناحية الخطورة. وزيادة حجم الجيش، سوف تؤدي إلى تعزيز سلطة الحكومة المركزية الأفغانية، وتقليص نفوذ إدارات الشرطة المحلية الفاسدة، خصوصاً إذا ما عرفنا أن ضباط الجيش الأفغاني يحظون بالاحترام من جانب أبناء الشعب الأفغاني. في الوقت الراهن، تتم -في معظم الأحيان- مواجهة التمرد بواسطة وحدات صغيرة من الجيش الأفغاني، وهو ما يعني أنه قد يكون من الأفضل لنا، بدلاً من تكوين كتائب جديدة أن نضيف المزيد من الوحدات الأصغر حجماً مثل السرايا والفصائل، لأن ذلك سيؤدي إلى تقليص الحاجة إلى تدريب المزيد من الضباط الكبار، وإتاحة الفرصة في الوقت ذاته لترقية الضباط الموجودين بالفعل في الخدمة العسكرية، والذين أثبتوا كفاءتهم بالفعل. وعندما يبدأ نظام التجنيد الإجباري، ستكون هناك حاجة للمزيد من المدربين العسكريين بالطبع، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة ستجد نفسها مضطرة لمطالبة شركائها في "الناتو" بلعب دور أكبر في تدريب القوات الجديدة من خلال توفير مدربين عسكريين. في جميع الأحوال سيكون عدد المدربين المطلوبين أقل من عدد الكتائب الأجنبية، التي تحتاج إليها الولايات المتحدة في الوقت الراهن -ولا تحصل عليها- من الدول الأعضاء في "الناتو". ولكنها إذا ما بدأت -بدعم من الدول المشاركة في "الناتو" بالطبع- في تشجيع الأفغان، ومساعدتهم على الشروع في وضع الخطط اللازمة لتطبيق هذا النظام، فقد يصبح من الممكن لها البدء في تدريب المجندين الجدد في أواخر العام المقبل (2009) أي بعد عامين تقريباً من الآن. وعلى الرغم من أن هذا الوقت ليس مناسباً، لأن الولايات المتحدة تحتاج إلى تلك الزيادة في القوات الآن، فإن التجنيد الإجباري يعتبر -في رأيي- أسرع وسيلة ممكنة لحل المشكلة الأمنية في أفغانستان. رونالد نيومان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سفير الولايات المتحدة في أفغانستان 2005- 2007 يشغل حالياً منصب رئيس الأكاديمية الأميركية للدبلوماسية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"