"تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً"... مثل ينطبق على جولة الرئيس الأميركي الشرق أوسطية، فهل يُنهي فترته الرئاسية بتحقيق إنجاز شرق أوسطي؟ عائشة المري الرئيس الأميركي في الشرق الأوسط ... عنوان تصدر وسائل الإعلام منذ أن تم الإعلان عن أن الجولة تشمل ست دول في الشرق الأوسط تبدأ بإسرائيل والضفة الغربية ثم دول الخليج لتنتهي في مصر. حملت الجولة عنوان سلام الشرق الأوسط ، أمن الخليج، استقرار العراق والملف النووي الإيراني، إضافة إلى دمقرطة دول الشرق الأوسط والحرب على الإرهاب. أول زيارة في آخر سنة رئاسية، فلماذا الآن؟ وما هي حظوظ الرئيس الأميركي في تحقيق نجاحات في زيارته لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط ؟ وإذا ما نجح الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي في التوصل إلى اتفاقية سلام، فإن ذلك سيكون أكبر إرث يتركه بوش عند خروجه من البيت الأبيض. من ناحية أخرى هل يقرع الرئيس الأميركي طبول الحرب على إيران في سنته الأخيرة قبل أن يلملم جراح حروبه في أفغانستان والعراق، أم أنه يملك خيارات أمنية لدول الخليج لمواجهة الطموحات الإيرانية النووية؟ وماذا عن مشروع نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط؟ هل مازالت الديمقراطية من ضمن أجندة الإدارة الأميركية، خاصة وأن التجارب الديمقراطية والمشاركة الشعبية حملت التيارات الإسلامية المعادية تقليدياً للولايات المتحدة وإسرائيل إلى سدة الحكم؟ أسئلة أثيرت، ومازالت تُثار فيما تستمر جولة الرئيس الأميركي بعد أن حل يوم أمس ضيفاً على الإمارات. بدأت الجولة بإسرائيل، وأرسلت الإدارة الأميركية، وعلى لسان "ستيفن هادلي" مستشار الرئيس بوش لشؤون الأمن القومي، إشارات واضحة بعدم رفع سقف التوقعات من حدوث اختراقات هائلة في العملية السلمية قبيل زيارة الرئيس الأميركي لإسرائيل والضفة الغربية ، فيما أكدت وزيرة الخارجية الأميركية "كونداليزا رايس" بأن زيارة الرئيس الأميركي للشرق الأوسط تهدف إلى إعطاء دفعة معنوية لعملية السلام. واتضحت رؤية بوش لسلام الشرق الأوسط في حل الدولتين بولادة الدولة الفلسطينية بنهاية هذا العام بشرط أن يعمل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي على حل خلافاتهما، خاصة منها قضية الحدود والمستوطنات ووضع القدس ومصير اللاجئين الفلسطينيين. فإذا ما أرادت الإدارة الأميركية تفعيل عملية السلام بشكل جدي، فإنه يتوقع منها أن تزيد من ضغوطها على إسرائيل في ما يتعلق بوقف التوسع الاستيطاني وتفكيك البؤر الاستيطانية. في إسرائيل أظهر الرئيس الأميركي تفاؤلاً واضحاً بقوله "هناك لحظة تاريخية وفرصة تاريخية للعمل على تحقيق الأمن لإسرائيل والشعب الفلسطيني"، فيما سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت للتأكيد على أن لإسرائيل الحق في توسيع أية مستوطنات في القدس الشرقية أو الضفة الغربية، ترى أنها ستحتفظ بها في إطار تسوية نهائية، بعد أن طالب الرئيس الأميركي إسرائيل بتفكيك بعض المستوطنات التي تعتبر غير شرعية حتى بموجب القانون الإسرائيلي خلال المؤتمر الصحافي المشترك فيما سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي للتأكيد على أن تلك الأنشطة غير مشمولة بالوعد بعدم إنشاء مستوطنات جديدة. وقال بوش بعد مباحثاته مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله إنه يعتقد أن الجانبين سوف يوقعان اتفاق سلام قبل أن تنتهي ولاية الرئيس الأميركي، وإن دولة فلسطينية سوف تظهر للوجود. ظهر واضحاً أن الدبلوماسية لا يمكن أن تخفي عمق القضايا الخلافية، فحل الدولتين كخيار على الورق أبسط منه واقعياً، فأراضي الدولة الفلسطينية مقسمة بجدار عازل وحواجز أمنية إسرائيلية، فيما يعاني سكانها اقتصادياً نتيجة للحصار الإسرائيلي، فيما تعاني من انقسامات داخلية بين الفصائل الفلسطينية، في وقت تُمطر الطائرات الإسرائيلية سماءها بالقذائف. للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي خطوط حمراء لا يمكن اجتيازها أو التنازل عنها، لا أحد يرفض جهود السلام في الشرق الأوسط، لكن بين الحلم والواقع سنوات ضوئية لاجتيازها. إن تراجع العملية السلمية في الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية تسبب في أزمة سلام حقيقية، كما أن صنع السلام يتطلب قيادة فاعلة مستعدة لاتخاذ قرارات تاريخية صعبة. وللسلام شروط، ولوسيط السلام التزامات أولها الحياد والموضوعية، للولايات المتحدة علاقات متميزة مع إسرائيل حجمت من دورها كوسيط فيما وقفت لسنوات في وجه الضغوط الممارسة ضد إسرائيل في مجلس الأمن، فحل الدولتين على سبيل المثال يتطلب تنازلات مشتركة قد تكون مستحيلة على سياسيي الدولتين في اللحظة الراهنة، أو قد يشكل أي منها انتحاراً سياسياً لن يقدم عليه سياسي عاقل. واقعياً تحقق العملية السلمية بصورتها الحالية وبطء مساراتها مصالح حيوية للطرفين فيما يستبعد حدوث تقدم حقيقي في العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في ظل حقيقة يجب أن تستوعبها كافة الأطراف بأن معادلة الأمن مقابل قيام الدولة الفلسطينية معادلة قابلة للتطبيق، وأن السلام خيار استراتيجي لكافة دول المنطقة. جولة دبلوماسية طال انتظارها، لكن لا تصنع السياسات القائمة على التمنيات دولاً ولا إنجازات تاريخية في وقت متأخر، لا سيما وأن الإدارة الأميركية في سنتها الأخيرة غير قادرة فعلياً على إطلاق عملية سلام لن تشهد فصولها حتى لو شهدت فصلها الأول بإطلاقها للعملية السلمية من جديد في مؤتمر أنابوليس، كما أن الخيار العسكري ضد إيران يصعب تصوره لإدارة لم تنه حروبها السابقة، ولا يتصور أن تفتح جبهة جديدة، حتى لو بادرت الحكومة الإيرانية بالتحرش بالبوارج الأميركية عشية زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة، إذ تواجه الإدارة صعوبة حقيقية في تجنيد دعم دولي لفرض عقوبات فعالة تؤدي إلى وقف المشروع النووي، فيما شهد مشروع دمقرطة الشرق الأوسط انتكاسة واضحة في أولى خطواته في العراق، واضعاً نهاية لفكرة جذابة طالما ووجهت بصعوبات عند التطبيق في الشرق الأوسط. وعود على بدء، "تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً"... مثل ينطبق على جولة الرئيس الأميركي الشرق أوسطية، فهل يُنهي فترته الرئاسية بتحقيق إنجاز شرق أوسطي؟