هل تقرأون المدونات؟... إنْ لم تفعلوا، فاذهبوا إلى إحداها لترون كيف يفكر الشباب، وماذا يعتمل في صدره، وما هي آفاق ملامحه، وأنها فرصة الإطلاع على التجارب الأخرى، التي ربما كانت ثرية وعميقة وقادرة على رسم مشهد عام للحياة التي يحياها المدون. وفي الغرب تُعامل المدونات كمراجع مهمة في فهم إشكالات عدة قد يجدون أسبابها في هذه المدونات. وقد استعان أحد الكُتاب الأجانب بمدونات فتاة عراقية في دراسة الوضع الاجتماعي في العراق وحجم المأساة، التي يعيشها الناس هناك. مناسبة هذه المقدمة، أن بعض المدونين يتعرضون داخل بعض البلدان العربية لمضايقات أمنية، بسبب ما تتناوله هذه المدونات من تنديد بالفساد والقهر الذي تعيشه الشعوب العربية. المدونة لا تملك أي سلطة، وليس لديها أي مجال لتشكيل قرار ما، إنها فضفضة مشتركة، حالة انعتاق من ضوابط أو مشاكل أو هموم يتيح المجال العنكبوتي فضاءً لها، وأن يشارك الآخرون في إيجاد حلول، ربما أو مجرد المواساة والإنصات الإلكتروني أو الوهمي. ذهنية التكتيم والاتهام تبدو هي لغة حوار بين أصحاب السلطة وبين الناس البسطاء أصحاب الأحلام المشروعة جداً، فعقلية التسلط والتمركز حول الذات، باتت هي لغة فرض الطاعة على الآخرين، وعليه ينشأ الآخر، ولديه امتثال مطلق للأوامر والتوجيهات. مثل هذه العقليات ما زالت موجودة، وما زال لها صداها الذي يعمل على إلغاء فكر الآخرين والبحث فقط في استيفاء شرط الاستبداد والقهر، وهذا بالضبط ما تتداوله أجهزة الأمن العربية حين تضخ الأقنعة السرية بمساحيق الفكر والرأي، أو إذا كان الوضع أفضل في دولة أخرى، فإن التضييق ومحاربة الإنسان في مسعاه المعيشي ومراقبته باعتباره جهة اتهام وريبة هي لغة التفاعل مع أصحاب الفكر المضاد لفكر صاحب السلطة. الغريب أنه في ظل سماء تتغير ألوانها كل لحظة بفضل التقنيات، وفي ظل دفع عالمي نحو انتهاج منهج الديمقراطية واحترام الإنسان مهما كانت أفكاره مناوئة للفكر السائد، يبقى له التقدير ما دام رأيه يقع ضمن محيط الحوار والرغبة الصادقة في المشاركة في الإصلاح العام. وتتبارى هذه الأجهزة الأمنية- أو أجهزة القلق بمعنى أدق- في افتعال ما لا يأتي أو ما لا سيكون وتحديد أشخاص بعينهم كونهم خطرا على الأمن العام، وأن لديهم أفكاراً موقوتة من شأنها الانفجار في أي لحظة. كم هو معيب ومجحف مثل هذا التوجه، ففي الوقت الذي تبحث فيه الدول عن ألق اقتصادي وعن التنقيب عن ثروات من دروب المستحيل، يعامل فيها الإنسان بكل هذا الاستبداد وهذا الهدر لطاقاته وأفكاره وحريته في اتخاذ أي منحى يشاء في مجال الرأي والعقيدة. فإذا سجن صاحب مدونة اليوم، فهل بالإمكان سجن أصحاب مدونات من العالم حيث يطالبون بالعدالة والحرية والقيم الإنسانية النبيلة؟ ما زال الأمن العربي يفكر بطريقة الدول المتلاشية من تاريخ العدل والإنصاف، وما زال شكل التخلف وتكريس الاتهام حتى إشعار آخر، لغة بائدة مخزية، وتؤطر الفكر المتسلط الذي ما زال يهيمن على عقلية لا يمكنها أن تستوعب أن تعريض أناس للسجن أو النفي أو الإلغاء، لا يعني أبداً الانتصار بقدر ما يعني الهزيمة والضعف وقلة الإدراك لحراك عالمي، لا يمكن السيطرة عليه أبداً، وإنْ كانت البوابات حديدية.