أهم ما يلاحظه المراقب لطبيعة الاستقبال السياسي والإعلامي الذي تلقاه الرئيس بوش خلال زيارته لإسرائيل، هو حالة فصام واضحة بين الترحيب العميق وعبارات التقدير والإشادة التي صدرت عن الزعامة السياسية وبخاصة أيهود أولمرت رئيس الوزراء وبين عبارات التساؤل حول قدرة الرئيس الأميركي على تحقيق إنجاز في مسيرة المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، خلال العام الأخير من ولايته على حد وصف صحيفة "معاريف". حالة الثنائية تظهر كذلك في الحماس الكبير الذي يبديه الرئيس بوش لشخصية رئيس الوزراء "أولمرت"، وفي عبارات الثناء، التي يغدقها عليه والتي بدأت في الحديث الذي أدلى به "بوش" لصحيفة "يديعوت أحرونوت" ونشرته قبل الزيارة بعدة أيام من ناحية، وفي علامات الاستفهام التي يطرحها كُتاب المقالات الإسرائيليون حول قدرة "أولمرت" على البقاء في منصبه مع نهاية الشهر القادم بعد ظهور التقرير النهائي للجنة "فينوجراد" حول التقصير السياسي في حرب الصيف الشهيرة على لبنان من ناحية ثانية. تكشف حالة الثنائية الإسرائيلية أمامنا عن حقيقة واضحة منذ انعقاد مؤتمر "أنابوليس"، وهي أن الرئيس بوش يعول على "أولمرت" لإنجاز فكرته لعقد اتفاقية سلام نهائية، ويعتبر استمراره في منصب رئيس وزراء إسرائيل حتى نهاية العام الحالي على الأقل الضمانة الأساسية لتحقيق الإنجاز المأمول. ومن هنا، فإن بوش يظهر دعمه العلني لأولمرت بهدفين: الأول دفع قوى الوسط والاعتدال الإسرائيلية المؤمنة بالحل القائم على دولتين إلى التجمع حول رئيس الوزراء ومساندته في مواجهة الضغوط التي يمارسها "اليمين" المتطرف الرافض لحل الدولتين بزعامة نتانياهو، وهو "اليمين" الذي رفض بالتالي مؤتمر "أنابوليس" ودعا بكل الأشكال إلى إفشاله. والثاني دعم صورة "أولمرت" كرئيس وزراء يحظى بالتأييد الأميركي في مرحلة حاسمة لإسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالمواجهة مع إيران، ودفع مسار التفاوض مع الفلسطينيين، وهو دعم يعني دعوة الإسرائيليين إلى غض الطرف عن نتائج لجنة "فينوجراد" المتوقعة وعدم التضحية بأولمرت على مذبح عملية عسكرية سابقة. وفيما يخص النتائج السلبية المتوقعة بعد صدور التقرير على مستقبل "أولمرت" السياسي، يبرز احتمال قيام حزب "العمل" بقيادة "أيهود باراك" بالاستقالة من الحكومة والدعوة إلى انتخابات جديدة مبكرة، حيث أن "باراك" يعتقد أنه الشخص الأحق من "أولمرت" بقيادة عملية التفاوض والسلام بحكم خبرته السابقة التي تجسدت في مفاوضاته مع عرفات تحت إشراف كلينتون في كامب ديفيد عام 2000. ومن المؤكد أن الرئيس بوش قد حاول في إطار رعايته ودعمه لـ"أولمرت"، أن يوضح لـ"باراك" خلال زيارة الأخير لواشنطن، خطورة الإقدام على الاستقالة من الحكومة وحلها على مستقبل "أولمرت" و"باراك" معاً، حيث إن استطلاعات الرأي العام تشير إلى تقدم "نتانياهو" على الاثنين بعد نجاحه في التشهير بأداء "أولمرت" في معركة لبنان. وإذا كان حرص بوش على مشروعه الذي أطلقه في "أنابوليس" يمثل دافعه الرئيسي لضمان استقرار واستمرار حكومة "أولمرت"، فإن هذا الحرص في ذاته يفسر لنا موجة التشكيك التي يكيلها بعض الكُتاب الإسرائيليين ضد بوش و"أولمرت" على حد سواء. ويرى "بين كسبيت" المعلق السياسي الأشهر في "معاريف"، في تعليقه على زيارة بوش، إن التصريحات التي يدلي بها بوش، والتي يقول فيها إنه سيعمل على إنجاز الحل النهائي للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي لن تزيد نتائجها على الصور الحميمة الملتقطة له ولـ"أولمرت" كأصدقاء. ويستبعد المعلق الإسرائيلي أن تحقق هذه الزيارة غايتها في إقناع الجمهور الإسرائيلي بأنه من غير المناسب مطالبته "أولمرت" بترك منصبه مع صدور التقرير الأخير للجنة "فينوجراد". ثنائية الاستقبال الإسرائيلي لبوش تخفي خلفها محاولة "أولمرت" المحتفي ببوش، لاستخدام العلاقة العلنية المشحونة بعبارات التقدير المتبادل كطوق نجاة يتعلق به مبكراً استعداداً للعواصف التي ستهب على سفينة حكومته مع إعلان نتائج "فينوجراد"، كما تخفي غضب قطاعات من الكتاب والرأي العام اليميني والأحزاب الرافضة لرؤية بوش للسلام من الدعم الذي يقدمه بوش لأولمرت أمام الجماهير الإسرائيلية، على نحو علني يؤدي إلى إضعاف المواقف "اليمينية" المتطرفة وفرصتها في الإطاحة بحكومة أولمرت وبحلم بوش في دخول التاريخ من بوابة صناع السلام بضربة واحدة. د. إبراهيم البحراوي أستاذ الدراسات العبرية - جامعة عين شمس