ساركوزي: "رئاسة الإثارة" في الداخل... و"سياسة المصالحة" في الخارج! هجوم عنيف على ساركوزي وطريقة حياته الخاصة، وبزوغ دبلوماسية "المصالحة" الفرنسية، ورهانات جولة بوش في الشرق الأوسط، موضوعات ثلاثة نستعرضها ضمن جولة سريعة في الصحافة الفرنسية. ساركوزي والإعلام... ونهاية شهر العسل: في افتتاحية كتبها ألان ديهامل في "نيس ماتن" نبَّه إلى مخاطر نزعة ساركوزي الطاغية لحشر نفسه، وحياته الخاصة، على شاشات التلفزيون بمناسبة، وبغير مناسبة. فقد حطم كل الأرقام القياسية في الظهور على الشاشات، ليس باعتباره صانعاً للحدث فقط، بل باعتباره هو الحدث نفسه. وبهذه الصفة "الرئيس- النجم" أحدثت الساركوزية -أو بالأحرى الستاركوزية- تحولاً جذرياً في تقاليد الرئاسة الفرنسية، وجنحت بها إلى النمط الأميركي، حتى كأن قصر الأليزيه قد تحول فجأة إلى بيت أبيض في باريس. وفي افتتاحية لابروفينس اختار فيليب لاري لغة السخرية إذ كتب متهكماً من الضجة حول موعد زواج ساركوزي وكارلا بروني وتزامُن ذلك مع ارتفاع أسعار البترول: "يطيب لعائلات بروني- تيديشي، بوريني، ناغي- بوكسا، وساركوزي، حضوركم للارتباط الوشيك بين طفليهم كارلا (بروني) ونيكولا (ساركوزي)، بتاريخ 9 فبراير المقبل.. ويسر عائلات توتال، شيل، بريتيش بتروليوم، وإيسو، حضوركم لمولد المليار الجديد من الأرباح لهذه السنة مع تزايد غلاء البترول"، ويستمر الكاتب في سرد دعوات "أفراح" من "أسر" و"عائلات" أخرى ذات صلة باستطلاعات الرأي ودخول شعبية ساركوزي وحكومة "فيُّون" في حالة سقوط حُر. وفي افتتاحية ليبراسيون كتب لوران جوفرين متحدثاً عن سلبيات الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية في النظام السياسي الفرنسي: "باختصار شديد، في كل كبيرة وصغيرة، في الحياة العامة أو حتى في الحياة الشخصية، بات كل شيء يبدأ من رجل واحد وينتهي إليه. إن من مصائب الجمهورية الخامسة ما كرسته عندنا من نظام سياسي حربائي، حيث أورثتنا نظاماً ملكياً، وإن كان انتخابياً"، مشيراً إلى أن ساركوزي استغل هذه الميزة، إضافة إلى ثغرة "الحريات الشخصية"، لكي يجعل نفسه مركزاً تدور حوله بقية الدولة، والمعارضة، ووسائل الإعلام، واصفاً إياه بأنه ليس سوى بوتين آخر، حتى ولو كان أنْعم قليلاً. وفي المقابل شنت افتتاحية في لوفيغارو كتبها بول هنري ديلامبرت هجوماً مضاداً على منتقدي ساركوزي، وخاصة منهم الحزب الاشتراكي المعارض، وقد جاء فيها: "كارلا بروني؟ جميلة جداً، أليس كذلك. ومصر؟ أليست بعيدة. وفندق أولد وينتر بالاس؟ أليس باهظ التكاليف. وماذا عن الجولات العاطفية على طول ضفاف نهر النيل، أليست مُضحكة، بعض الشيء؟ ثم ماذا بعد؟ لا شيء طبعاً. فمع بداية هذا العام، لم يجد الحزب الاشتراكي قضية أخرى غير التركيز على ما يعتبره نقطة ضعف لرئيس الجمهورية، أي طريقة حياته الخاصة. سيقولون طبعاً إن برميل النفط يغازل المئة دولار، في حين أن ساركوزي يغازل كارلا بروني!..". باريس ودبلوماسية "المصالحة": المراسل الدبلوماسي لصحيفة لوفيغارو ألان بارلييه كتب تحليلاً عما سماه دبلوماسية المصالحة التي ينتهجها ساركوزي اليوم، والتي يبدو أنها ستكون محدداً للسياسة الخارجية الفرنسية خلال السنوات القادمة. فساركوزي الذي يرفع الآن شعار: "على فرنسا أن تتحدث مع الجميع"، والذي يراهن على "سياسة اليد الممدودة" إلى جميع العواصم بما في ذلك حتى تلك الأكثر حرجاً، بدأ في الفترة الأخيرة الدفاع عن رؤيته وطريقته في فهم السياسة الخارجية، من خلال تصريحات شاء لها أن تغطى إعلامياً بما فيه الكفاية. فقد دافع بقوة عن مقاربته الخاصة لعلاقات بلاده مع ليبيا، وسوريا، وروسيا، وفنزويلا. وكان الأكثر إثارة للجدل هو تهنئته للرئيس بوتين بعد فوزه في الانتخابات، وتبريره لذلك بأن سيد الكرملين هو الرجل الأكثر شعبية في روسيا الآن، كما أنه لا يمكن سد قنوات الاتصال مع موسكو، ثم اللجوء إليها فيما بعد لتمارس ضغطاً على طهران من أجل حل مشكلة برنامجها النووي. فالمواقف في هذه الحالة لابد أن تأخذ كحزمة، أو أن تترك كحزمة أيضاً. وانتهى الكاتب إلى أن خطوط السياسة الخارجية التي رسمها ساركوزي مؤخراً يبدو أنها تصدر عن وعي واضح، ولكن يبدو أنها كذلك لا تخلو من مخاطر. فالحوار مع بوتين لاشك أنه ضروري، ولكن بشرط ألا يعني إغلاق الأعين عن بقية ممارسات روسيا البازغة الآن. وفي سياق متصل عنون ألكسندر أدلر مقاله الأسبوعي بلوفيغارو: "نحو تحالف فرنسي- روسي جديد"، مركزاً تحليله على نقاط التقاء وافتراق مصالح باريس وموسكو الآن، مبرزاً بشكل خاص وقوف مشاكل منطقة البلقان تحديداً حائلاً دون انخراط الطرفين في أي تحالف حقيقي. جولة بوش الشرق أوسطية: في صحيفة لوموند كتب ميشل بول ريشار مقالاً تحليلياً استعرض فيه واقع العلاقات القوية القائمة بين واشنطن وتل أبيب، مشيراً إلى تجاذب الطرفين الآن حول الآلية الأنسب لحل صراع الشرق الأوسط، والمصاعب الموضوعية الداخلية القائمة لدى كل من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. وينتهي الكاتب إلى أن زيارة ساكن البيت الأبيض إلى المنطقة تسعى لتحقيق ثلاث غايات: إقناع دول المنطقة بجدية كل طرف في عملية التسوية، والفوائد المرجوة منها لصالح الفلسطينيين والدول العربية. والدفع بعملية السلام قدماً إلى الأمام بإقناع حلفاء واشنطن في المنطقة بما يعد به حل الدولتين من نتائج إيجابية، وبكيفية التوصل إلى تلك الغاية. وأخيراً "دعم هذه الدول في وجه النزعة العدوانية الإيرانية". وفي افتتاحية بـ"نور أكلير" ذهب جيل كلويرت إلى أن السلام الذي ما فتئت تحلم به شعوب المنطقة التي عانت الأمرَّين من الحروب وموجات العنف، لم يعد اليوم مجرد حلم، بل أصبح ضرورة وحلاً لكل المشاكل. وهذا ما يدفع واشنطن اليوم للمراهنة على أن تكون سنة 2008 هي سنة الحسم في هذا النزاع المزمن. وبديهي أن العقبات والعراقيل على هذا الطريق كثيرة. وما يتعين على الرئيس بوش الضغط من أجله هو إيجاد اختراقات بخصوص القضايا الكبرى، وبعد ذلك سيكون كل شيء ممكناً. مثلاً لتكن البداية من حسم مسألة اقتسام القدس، بحيث تكون عاصمة لكلتا الدولتين. والأمل أن يشعر الرئيس الأميركي بالصدمة من شكل جدار الفصل الإسرائيلي، بحيث يكون له دور في إسقاطه خلال الشهور المقبلة. ومن جانبه نبه جوزيف ليمان في افتتاحية "ويست فرانس" إلى المصاعب المحيطة بجولة النوايا الطيبة التي يقوم بها الرئيس الأميركي في الأرض المقدسة، ذلك أن لقاءات الرئيس عباس ورئيس الوزراء أولمرت، حتى وإن أصبحت شبه منتظمة، إلا أنها ما تزال غير مثمرة، كما أن بقاء كل منهما في كرسيه غير مضمون أيضاً. ومع أن بوش تلقى وعوداً وكلاماً دالاً على حسن النوايا، فإن التجاوز إلى الفعل على الأرض ما زال مؤجلاً. وأخيراً كتب هنري غويرشون مقالاً في مجلة لونوفل أوبسرفاتور وصف فيه خطوات بوش في رام الله وتل أبيب بأنها كانت شبيهة بمن يمشي على أرض مكسوة بالبيض. فكل شيء قابل للانكسار، وكل شيء قابل للتلف. وكل من مضيفيه يجد نفسه على غير ما يرام. فعباس ما زال يعاني من آثار انفراد "حماس" بقطاع غزة، وأولمرت أصبح رهينة لوجود اليمين المتطرف في تحالفه الحكومي. ولذا فإن المهمة الصعبة التي انخرط فيها بوش الآن تتم مع طرفين أضعف، وفي ظروف أصعب، من تلك التي انخرط فيها الرئيس السابق بيل كلينتون بكامب ديفيد مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، وإيهود باراك. إعداد: حسن ولد المختار