كنت واحداً من خمسة إعلاميين عرب قابلوا الرئيس الأميركي في البيت الأبيض الأسبوع الماضي. الإدارة الأميركية شنت حملة إعلامية مكثفة قبل زيارة الرئيس التاريخية للمنطقة. الزيارة هي الأولى من نوعها لجورج بوش كرئيس إلى كل من إسرائيل وفلسطين والكويت والبحرين، كما تشمل الإمارات والسعودية ومصر. ملفات الزيارة الرئيسية كما قال الرئيس هي: السلام والأمن وإيران. وهي قضايا ثلاث مترابطة، فلا أمن بلا سلام، ولا تفاهم مع إيران بلا أمن، ولا سلام من دون تفاهم على مفهوم الأمن مع الجميع بمن فيهم إيران. أشد ما لاحظته في مقابلة الرئيس هو الحماسة التي أبداها بشأن السلام وحل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، وهو حماس انعكس بذكره لكلمة الدولة الفلسطينية أو الدولتين معاً 14 مرة في أثناء الحوار الذي امتد معه لمدة ساعة تقريباً. وهنا يقول منتقدو بوش إنه تأخر كثيراً، فقد انتظر السنوات السبع الماضية من ولايتيه ليحاول أن "يصلح ما أفسده الدهر"، وهو الذي كان منتقداً لسلفه بيل كلينتون الذي دخل في صراع مع الزمن في الأسابيع الأخيرة من ولايته لتحقيق السلام. لكن مناصريه والمتفائلين يقولون إن فترة ستة أسابيع ليست كفترة سنة بقيت من عمر ولاية بوش، وهو الرئيس الوحيد الذي امتلك شجاعة الإعلان عن حق الفلسطينيين في دولة مستقلة "قادرة على أن توفر الأمن لشعبها"، كما صرح أكثر من مرة بأنه يريد أن يتحقق ذلك قبل مغادرته البيت الأبيض. فيضيف المتفائلون: ولم لا؟ "أطرد الكذاب لبيت أهله"، فليس لدينا ما يمكن عمله الآن، فلنعط الفرصة لمثل هذه الجهود لعل وعسى. المحبطون الذين ملوا من سماع "الطحن بلا عجين"، يرون أن بوش جاد وقادر، لكن من عليهم تنفيذ المهمة غير ذلك، فعباس "ضعيف" الشخصية، وأولمرت "أضعف"، وكلاهما يجابه جبهة داخلية ممزقة، فلا عباس بعرفات، ولا أولمرت برابين. لكن وجهة نظر أخرى تقول إن ضعف الرئيسين ربما يكون حافزهما الأقوى على تحقيق السلام، فهذا لإنقاذ حكومته الإسرائيلية، وذلك لتعزيز جبهته وإسكات معارضيه في المعسكر الفلسطيني. على الجبهة العراقية، يعتقد الرئيس بوش أن الكثير قد تحقق، وهو ما تردده إدارته داخل الولايات المتحدة، مستشهدين بانخفاض معدلات العنف، وبالديمقراطية التي تحققت، لكن خصومهم يقولون إن انخفاض العنف نسبي (ستة جنود أميركيون قتلوا في العراق عشية وصول الرئيس للمنطقة)، وسبب انخفاضه التواجد الأميركي العسكري الذي سرعان ما ينهار الأمن بمغادرته. أما الديمقراطية، فهم يرون أنها عرجاء لم تحقق السلم الاجتماعي، بل حققت نصراً لطائفة على حساب الطوائف الأخرى. بالنسبة لإيران، فإن المسألة أكثر تركيباً وتعقيداً، وانطباعي أن الحل الدبلوماسي واستبعاد المواجهة العسكرية مع إيران هما الموقف الحالي، صحيح أن الرئيس أشار إلى عدم استبعاد كافة الخيارات، لكن الحل الدبلوماسي يبدو أقرب إلى التبني من الحرب حالياً. ولعل إيران مدركة لهذه الأولويات، فقامت قبل الزيارة بأيام قليلة بالتحرش بالأسطول الأميركي في الخليج، وأطلقت صاروخين من جنوب لبنان عبر "حزب الله" عشية وصول بوش إلى إسرائيل، والرسالة واضحة: نحن هنا وهناك! فلا تظنَّ -يا بوش- أنك قادر على ترتيبات السلام والأمن في المنطقة من دون إيران، وما لم تتفاهم معنا و"تحسب حسابنا"، فلن تتقدم جهودك قيد أنملة. مربط الفرس حيث يمكن لبوش وإدارته أن يستعيد الثقة والقيادة في التأثير على أحداث المنطقة، يبدأ في القدس، ومسألة المستوطنات وحق العودة، إذا ما استطاع بوش أن يضغط على إسرائيل لحل هذه العوالق الثلاث، فالبقية تأتي!