في هذا الكتاب الصادر مؤخراً "تراجيديا بوش"، عمد مؤلفه الكاتب الصحفي جاكوب وايزبرج، إلى فك شفرة ولاية الرئيس الأميركي الحالي جورج دبليو بوش. ومن خلال التقويم العام الذي اضطلع به، فقد بذل المؤلف في مجال التنقيب والبحث المثابر عن كل شاردة وواردة من تفاصيل رئاسة بوش، وفي خلفياتها الاجتماعية والنفسية والسياسية، ما يشبه فحص "الصندوق الأسود" لحطام هذه الولاية على حد تعبير بعض قراء الكتاب. وهو ما يعطي هذا السفر التأريخي المهم، شموله وعمقه في تناول موضوعه. وبعد قراءات واسعة لكل ما كتب من قبل من تقويم تاريخي لأداء تلك الولاية، وقف المؤلف مطولاً لتأمل ودراسة القرارات والخيارات الرئيسية التي تبناها الرئيس بوش، فدفعت به وبأميركا كلها إلى التحدي الذي تواجهه الآن. وعلى صعيد الأسلوب، فقد عمد المؤلف إلى وضع ما توصل إليه من حقائق تاريخية مهمة، في قالب تاريخي أدبي، جرى فيه تشبيه بوش ومقارنته بالملك الإنجليزي، هنري الخامس، الذي حكم إنجلترا خلال الفترة 1413- 1422 ميلادية. وفي هذه المقارنة ثمة أكثر من وجه ولون، بما فيها إحالات تشبيه العلاقة بين بوش الابن والأب، بالملكين هنري الرابع والخامس. على أن الوجه الأهم منه هو ما عرف عن الملك هنري الخامس من صفة رئيسية وسمت عهده وسياساته الخارجية إجمالاً: نزعته التي لا تكل إلى شن الحروب. فمتى ما وردت سيرة الملك هنري الخامس، سواء في التاريخ أم الأدب، فسرعان ما تقفز إلى الذهن سلسلة الحملات والغزوات الطويلة التي شنها على جارته فرنسا، وعزمه على كسر شوكتها وإخضاعها المطلق لبلاطه الملكي. والتشبيه الذي يجريه الكاتب في هذا الصدد، بين شخصيتي الملك هنري الخامس والرئيس بوش، مستمد من سياسة الضربات الاستباقية الأحادية التي تبناها الأخير، وخاصة حربه الدائرة على العراق، وكذلك حربه المعلنة على الإرهاب الدولي، بكل ما تحمله هذه الحرب من دلالات الاستمرار والسرمدية. ولعله من سياق هذا التشبيه، استمد الكتاب عنوانه، متأثراً بلغة الأدب الدرامي بصفة خاصة، لاسيما وأن مسرحية "الملك هنري الخامس" لمؤلفها ويليام شكسبير، جاءت في إطار سلسلة مسرحياته التاريخية التراجيدية. وهكذا تكون الإحالة أو الاستدعاء التاريخي الأدبي هنا في هذا الكتاب. ومثلما حدث من خلافات ونزاعات بين هنري الخامس ووالده هنري الرابع، حول كيفية إدارة شؤون العرش والبلاط الملكي، يكشف المؤلف هنا أيضاً عما لم يرد ذكره من قبل، حول الخلافات التي دارت بين بوش الأب والابن، بشأن كيفية إدارة شؤون البيت الأبيض، لاسيما سياساته الخارجية في عصر التهديد الإرهابي لأمن أميركا. ولهذا الخلاف أهميته الخاصة فيما يتصل بشن الحرب على العراق، والمدى الذي حظي به الإعداد لها من بناء تحالف دولي وإرادة دولية تضفيان على الحرب شرعيتها المطلوبة. يذكر أن جورج بوش الأب، كان هو الآخر بطلاً وقائداً للحروب، بما فيها حربه على العراق في عام 1991. وخلافاً للغزو الأميركي الأخير للعراق في عام 2003، فقد اتسم الغزو الأول ببناء تحالف دولي واسع النطاق، وصدور قرارات دولية، أضفت عليه مشروعيته التي أرغم بموجبها صدام حسين على الانسحاب من الكويت، ما أعاد للكويت سيادتها الوطنية الشرعية. وفيما ورد في الكتاب، أن بوش الابن لطالما تطلع إلى استنساخ تلك السيرة الأبوية في حقل السياسات وإدارة شؤون الحكم، إلا أنه فارقها بفعل تأثير مجموعة من "المحافظين الجدد"، تمكنت من إحكام قبضتها على قرارات وسياسات الإدارة، لاسيما بعض الوزراء وكبار المستشارين الذين أحاطوا به. وفي مقدمة هؤلاء -حسب الكاتب- كارل روف، الذي وصف بأنه لعب دوراً رئيسياً في تضليل الرئيس بوش، بتغليب مصالحه وطموحاته الشخصية على مصالح وطموحات الرئيس. ثم هناك نائبه ديك تشيني، الذي يعود إليه نصيب وافر من الدفع بالإدارة والبلاد كلها، إلى ما هما عليه الآن، من تراجع وانحسار في نظر جزء من الرأي العالمي، بسبب النزوع المفرط لاستخدام السلطة والنفوذ، مضافة إليه ردة الفعل غير المتوازنة إزاء هجمات 11 سبتمبر، وما اقتضته تلك الاعتداءات من واجب حماية لا ينكرها أحد للأمن الأميركي، بل وللأمن الدولي كله. لكن وبسبب سوء التقديرات وضعف الدوافع الأصلية التي شن بموجبها الغزو على العراق، ثم الأسوأ من ذلك كيفية إدارة عراق ما بعد الغزو، فقد انتهى الحال بأميركا إلى أن تخسر كثيراً من وزنها الدولي. وما انتقص من هذه المكانة بصفة خاصة، التناقض الذي بدا واضحاً بين المبادئ والقيم والمثل التي شنت على أساسها الحرب، والسلوك العملي الذي تجسد على أرض عراق ما بعد الغزو. وفي هذا التناقض، فإن لوزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد، نصيباً وافراً من المسؤولية، بسبب ما نسب إليه من إجازة أساليب تعذيب وإساءة معاملة سجناء الحرب. وإجمالاً يمكن وصف هذا الكتاب، بأنه مزيج من أدب السيرة والتاريخ والتحليل السياسي، لهذه الفترة البالغة الأهمية من التاريخ الأميركي الحديث. على أن جهد الكاتب كله قد انصب تقريباً، على تقييم إدارة بوش، من زاوية أدائها في مجال السياسات الخارجية. عبد الجبار عبدالله الكتاب: تراجيديا بوش المؤلف: جاكوب وايزبرج الناشر: "راندوم هاوس" للطباعة والنشر تاريخ النشر: يناير 2008