نشرت "الاتحاد" مؤخراً تحقيقاً صحفياً حول سوق الإيجارات العقارية في إمارة أبوظبي، وسلّطت فيه الضوء على العديد من النقاط اللافتة، وفي مقدمتها المطالبات المتكررة بوجود جهة رسمية تتولى تنظيم هذا القطاع الحيوي، ووضع الضوابط الكفيلة بالسيطرة على آلياته، وإجراء الدراسات المتخصصة بشأنه، وتوفير المعلومات والإحصاءات اللازمة لإصدار الأحكام والتوقعات والتقييمات من جانب الخبراء والمتخصصين حول آفاق هذا السوق، وحتى تزويد المستثمرين العقاريين بصورة واضحة لاتجاهات العرض والطلب، بدلاً مما هو حاصل من عشوائية في تقدير اتجاهات السوق من جانب الوسطاء تارة، ومن جانب بعض الشركات والجهات التي تصدر توقعات مستقبلية مجهولة الأساس والأسانيد الإحصائية، وتؤثر في اتجاهات سوق الإيجارات تارة أخرى، وبما يضرّ بالنهاية بالمستأجرين والدولة على حد سواء، لأن هذه التقديرات تضرّ بالنهاية بالنمو الاقتصادي، وتحدّ من فاعلية أي إجراء حكومي يستهدف كبح جماح التضخم الذي يلعب عنصر تكلفة الإيجار الدور الأبرز فيه. وهناك أيضا حاجة إلى (روزنامة) متوازية من الإجراءات، في مقدمتها، تعزيز الاستثمارات في الإسكان المتوسط ومنخفض التكاليف، بحيث يكون التأثير إيجابياً في حجم العرض، هو الأداة الرئيسية للسيطرة على السوق، بما يسهم في تحقيق التوازن بين العرض والطلب من الشقق المخصصة لمحدودي الدخل، ويلبي احتياجات مختلف الشرائح الاجتماعية، ويسهم بالنهاية في تعزيز تنافسية إمارة أبوظبي، باعتبار أن صعود مؤشر إيجارات المساكن يؤثر سلباً في هذه التنافسية، وإلى جانب ذلك اتخاذ إجراءات عقابية رادعة ضد مستغلي الوضع الإسكاني الحالي، ووضع قواعد أكثر دقة وتفصيلا لتحريك الإيجارات. والواضح وفقا للشواهد والتصريحات والآراء، أن هناك مبالغة في القيم الإيجارية، وأن قلة المعروض ليست سوى أحد الأسباب العديدة التي تتداخل لترسم صورة مفتعلة لأزمة شقق سكنية في أبوظبي، وأن الدور الأهم في هذه الأزمة تلعبه فئة من المستفيدين من النقص الحاصل في معروض الشقق المخصصة للإيجار؛ والواضح أيضاً أن منحنى هذه الأزمة المفتعلة في صعود مستمر بسبب تنامي قاعدة المستفيدين من هذه الموجة من الملاك والسماسرة ومن يسمون بالمستثمرين، علاوة بالطبع على ازدياد الطلب وعدم التناسب بين عدد الشقق الجديدة المعروضة للإيجار، من ناحية، وحجم الطلب المتزايد بكميات ملحوظة كنتيجة مباشرة للطفرة التنموية الحاصلة وتنامي حجم الأيدي العاملة في الإمارة من ناحية ثانية، ما يعني بالتبعية تضاؤل فرص السيطرة على معدلات التضخم السائدة بحكم تأثير عنصر الإيجار في هذه المعدلات كما ذكرنا سلفا، وأيضاً بسبب تنامي كرة الثلج، وانتقال عدوى الزيادات السعرية إلى جميع السلع والخدمات. الشواهد تؤكد أيضاً أن الارتفاع المتواصل في القيم الإيجارية يسير وفق معدلات خالية من المنطقية، ولا تستند إلى أي مبررات أو قواعد اقتصادية، وتكفي هذه الفروق الهائلة بين قيمة الإيجارات في الشقق التابعة لـ (إدارة المباني التجارية) ونظيرتها غير التابعة لها، علما أن الكثير من الشقق باهظة الأسعار كانت تابعة بالأساس للإدارة، وتحوّلت إلى الملاك لتدار بشكل جزافي من جانب السماسرة والمستثمرين. وعندما تستشعر جهة رسمية حيوية مثل (إدارة المباني التجارية) التابعة لدائرة المالية بأبوظبي، أن "خطر السماسرة والمستثمرين يتزايد بشكل كبير"، وأن "قطاع إيجارات المساكن في أبوظبي يحتاج إلى وقفة كبيرة" وفقاً لتصريحات ضاحي السويدي، الوكيل المساعد للشؤون المالية والإدارية في الإدارة، لصحيفة "الاتحاد"، فإن هذا التقدير المهم للوضع القائم في سوق الإيجارات وآفاقه المستقبلية يستحق استجابة موازية تتماشى مع حجم "الخطر" وما يتوقع أن يفرزه من تأثيرات سلبية متوقعة.