توصل استطلاع للرأي في بريطانيا -ونشرته صحيفة التلغراف البريطانية إلى تحديد أهم 100 عبقري على مستوى العالم. وساهم في الاستطلاع 4 آلاف بريطاني. وكانت نتائجه كالتالي: كان عدد العلماء والعباقرة الأميركيين على رأس القائمة حيث بلغوا 42، وجاء بعدهم البريطانيون في الدرجة الثانية وبعدد 24 عالماً وعبقرياً، وتوزعت النسب الباقية في بلدان العالم الأخرى مثل: 2 للصين؛ 2 لإيران، 2 لألمانيا، 1 لليابان، 1 لروسيا، 1 لإيطاليا، و1 "عربي". وغطى الاستطلاع مجالات عامة مثل: الكيمياء - علم الكمبيوتر - التأليف - الرواية- الرياضيات - الفنون - الموسيقى - الناشرين -منتجي الأفلام -الشعراء -اللاعبين-المغنين -الفلاسفة -المغامرين.. وغيرها من مجالات التمييز. "العبقري" -وبئس العبقرية- العربي الوحيد الذي نجح في الاستطلاع كان (أسامة بن لادن)، وهو المعروف بأمور بعيدة كل البعد عما برع فيه العباقرة العالميون؛ مثل: المناضل الأفريقي العملاق نيلسون مانديلا -المصمم الهندسي البرازيلي أوسكار نيمير -الزعيم الروحي للتبت الدلاي لاما، الذي لا يحب القتل ولا يدعو إليه -الشاعر الإيرلندي سيموس هيني -المعلوماتي المعروف بيل جيتس -عالم الديجيتل جون ليستر -الروائي الأميركي ليونارد كوهين -الناشر الأميركي ستان لي -الكاتب الدرامي النرويجي جون فوس -المغني البريطاني موريسي. تصوروا لا أحد بين كل المئة من العباقرة إلا "عبقري" واحد نبغ في ثقافة الموت؛ أما بقية العباقرة فقد عُنوا بثقافة الحياة؛ وضحّوا بأوقاتهم وجهودهم وأعمارهم من أجل إسعاد البشرية وتقديم الحلول لأمراض العصر على اختلافها!!؟ لماذا لم تحفل تلك القائمة بأسماء عربية لها إسهاماتها في الحضارة العالمية!!؟ سؤال لابد وأن نستعرض أجوبته. فالعبقرية لا تنتعش في مناخ يكبت الحريات!؟ والأساس الأولي لبروز العبقرية ونمائها هو الحرية بكافة أشكالها. وعدم الوقوف على ورقة الكاتب أو وضع لوحة الفنان في ذهنية الرقيب التي لا تتجاوز حجم جمجمته! فإذا كان العالم الكيميائي يمارس عمله ويفاجئه زوار الليل خوفاً من أن يصنع قنبلة يزعزع بها أركان النظام! وإذا كان الروائي لا يُصدر روايته إلا بعد أن يقلبها ألفُ رقيب؛ أو تُرفع لمسؤول لا يعرف ما هي أصول الرواية أو مقاصدها؛ فيأمر بعدم إجازة الرواية! وإذا كان الشاعر يصوغ قصيدته وترسل إلى "الديوان" أو "القصر" من أجل إجازتها! فكيف نتوقع أعمالاً عربية ناضجة، أو ولادة عباقرة لثقافة الحياة!؟ القضية الثالثة -بعد الحرية والرقابة- هي في نظرة بعض الأنظمة للمبدعين! فدول أوروبا وأميركا تقيم لمبدعيها النصب التذكارية بعد وفاتهم؛ وتقدمهم إلى مصاف المصلحين والمؤمنين في حياتهم؛ وتفاخر بهم الأمم في وسائل الإعلام -مهما اختلفت الأنظمة معهم، ومهما عارضوا توجهات نظام الحكم! أما عندنا -في العالم العربي- عندما يغضب عليك أحدهم فالكل يغضب!!؟ وعندما يقاطعك وزير فكل الناس تتخذ موقف الوزير، حتى الصحافة! وعلى عكس ما يجري في العالم المتحضر؛ فإن منع نشر كتاب لمبدع يجعل الشعب يثور من أجل الحصول على الكتاب!؟ أنا هنا لا أدعو إلى التحريض؛ بل أشير إلى وقائع حدثت في العالم العربي والإسلامي تساهم في "إقصاء" المبدعين، الذين هم مشاريعُ عبقرية في المستقبل. إن بعض الأنظمة عندما "تعادي" المبدعين -الذين لا يمدحونها ليلاً ونهاراً- ولا تقدم أسباباً وجيهة لحالة العداء تلك؛ فإنها تخلق جيلاً من المنافقين المُسبحين بحمد النظام -وهذا يُنتج نتاجاً ثقافياً ممجوجاً يرفضه عقل الشعب أو الذاكرة الجماعية له في المستقبل. فكم من حاكم عربي اشترى الضمائر قبل الأقلام! ولكن عندما "هوى" سواء برصاص أبنائه وحماته، أم عبر "كسر أنفه" بالقوة الخارجية؛ داس الشعب على صورته وقذفها بالأحذية -أكرمكم الله!! إننا ننشد أن يكون للعبقري العربي والإسلامي مكان في تلك القوائم العالمية؛ على شرط أن يكون ذاك العبقري قد ساهم في ثقافة الحياة ووسائل تطويرها وإمتاع الناس والترويح عنهم! بل وإنقاذ أرواحهم وتجميل حياتهم النفسية. ينبغي ألا نُلام عندما نعلن أن ثقافتنا العربية والإسلامية قامت -في أجزاء منها- على الحروب والعداوات. كما جال في تاريخنا قطّاع الطرق والقتلة والمجرمون! وحرب داحس والغبراء وحرب البسوس خير شاهد على ذلك؛ تماماً كما هي حروب المذاهب والعداء المُستحكم بين الطوائف. ثم أتى وقتٌ غير بعيد -وعلى يد الاستعمار الحديث- تم فيه الإخلال بالمبادئ الإنسانية الأساسية مثل التفرقة بين البشر والطبقية؛ والاستئثار بالخيرات وتقنينها، كما تفجرت حروب على أمتار من الأراضي بين الدول المتجاورة أو المتشاطئة. ونمت لدينا "الأنا" وتضخمت؛ وحاربنا العالمَ كله؛ بل وقام عبقري واحد بقلب "القاعدة" على رؤوسنا وتاريخنا! لماذا لا يعرفنا العالم بتصدير ثقافة الحياة والمحبة والخير والفنون وبلاغة اللغة؟ ونحن لدينا لغة ثرية جداً! لماذا لا يعرفنا العالم بالتراث الجميل غير المؤدلج؟ أو الأصوات الجميلة؛ أو الفنون التشكيلية التي هي لغة يفهمها كل العالم!؟ أنا أجزم بأنه يوجد لدينا فنانون تشكيليون وروائيون وعلماء نفس ومؤلفون موسيقيون لا تنقصهم درجات العالمية؛ لكنهم إما "مكروهون" ومحسودون من الأنظمة؛ أو مُكبلون بقوانين الإبداع. لو استطاع العالم العربي منح الحرية للمبدع، وخصص له الجوائز -كتلك التي يخصصها للاعبين- وسرّح جيوش الرقابة؛ ونظر إلى المبدع نظرة حب لا نظرة حسد أو ريبة بأنه سيقلب النظام -فإن عباقرة عرباً ومسلمين سيحتلون أماكن متقدمة في الاستطلاعات العالمية.