جاء اغتيال زعيمة المعارضة الباكستانية "بينظير بوتو" قبل خمسة عشر يوماً من موعد الانتخابات التشريعية، التي كان يتوقع معظم المراقبين فوزها فيها، ليختتم عام 2007 على نحو تراجيدي؛ إذ تعد وفاة واحدة من أبرز وجوه المعارضة على إثر عملية اغتيال حدثاً درامياً غير عادي. غير أن الحدث في حالة باكستان يكتسي أهمية استراتيجية كبرى؛ إذ كان من المفروض أن تسمح الانتخابات، التي كان من المقرر إجراؤها في الثاني من يناير، بطي صفحة النظام العسكري التي فتحها الرئيس برويز مشرف عام 1998. فالكثيرون في داخل البلاد، مثلما في خارجها، يطعنون في نظام هذا الأخير بشكل متزايد؛ والآمال العريضة التي كان الباكستانيون قد علقوها عليه في بداية حكمه بخصوص الاستقرار والإدارة الفعالة والرشيدة لشؤون البلاد اختفت منذ وقت بعيد. وإضافة إلى ذلك، فالمتشددون الإسلاميون يرفضون مشرف (يُذكر هنا أن الرجل نجا من ثلاث محاولات اغتيال من تدبير القاعدة) لأنه يتعاون مع الولايات المتحدة في إطار حربها على الإرهاب. بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، اختار مشرف تعزيز وتمتين التحالف الذي يجمعه بواشنطن؛ غير أن ذلك لم يشفع له لدى بعض الغربيين الذين يتهمونه بازدواجية الخطاب، ويرون أنه لم يبذل ما يكفي من الجهود على صعيد محاربة "القاعدة" و"طالبان". وهكذا، كان يُنظر إلى "بينظير بوتو" من قبل الأميركيين باعتبارها خياراً بديلاً، فقد كانت أول امرأة تتقلد منصب رئيسة الوزراء في بلد مسلم. وبعد أن غادرت بلدها في أعقاب تحقيقات في تهم الفساد التي كانت تلاحقها، تفاوضت بشأن عودتها من أجل المشاركة في الاستحقاق الانتخابي. وإذا كان اغتيالها قد دفع الكثير من الباكستانيين إلى اعتبارها شهيدة، فإن ذلك لا ينبغي أن يُنسينا أنها لم تكن فعالة وناجحة بما يكفي حين كانت في السلطة من 1988 إلى 1990، ثم من 1993 إلى 1996، وذلك سواء على صعيد التنمية الاقتصادية أو تقدم الحريات العامة. وتبقى ظروف وفاة "بوتو" غامضة، وإن كانت أكثر الفرضيات ترجيحاً تشير إلى "القاعدة". وفي حال ثبوت صحة هذه الفرضية، تكون هذه المنظمة قد أظهرت مرة أخرى أن قدرتها على التحرك مازالت قوية. غير أن بعض أنصار "بينظير" يتهمون النظام الباكستاني بأن له يداً في الاغتيال. والحقيقة أنه ربما لم يتم اتخاذ جميع التدابير والإجراءات الاحترازية لضمان حمايتها؛ غير أن ذلك لا يعني بالضرورة أن القادة الحاليين لباكستان قد ركبوا مغامرة تدبير عملية اغتيال من هذا القبيل. ومما لا شك فيه أن تحقيقاً دولياً، مثل ذاك الذي تم فتحه من أجل تقصي الحقيقة والكشف عن الجهات التي تقف وراء اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، تشكل أفضل وسيلة للقضاء على مثل هذه الشائعات وتبديدها. ومن جهة أخرى، فقد أبان حدث الاغتيال عن حقيقة أن الجنرال مشرف لم يضمن، بصفته رئيس البلاد، السير الجيد للانتخابات (التي جرى إرجاؤها إلى تاريخ الثامن عشر من فبراير) وأمن اللاعبين السياسيين الرئيسيين. وبالتالي، فيمكن القول إن ذلك يشكل فشلاً بالنسبة له. غير أنه في الوقت نفسه -وهنا تكمن المفارقة- فإنه فشل يصب في مصلحته ربما ويخدمها. ذلك أن الأميركيين حُرموا من الخيار الذي كانت تمثله "بينظير بوتو"، التي كانت تشكل خياراً مدنياً أفضل من مشرف على المستوى الدولي وتعتزم الحفاظ على تعاونها مع الولايات المتحدة على المستوى العسكري. الآن وقد رحلت "بينظير"، يستطيع الرئيس الباكستاني مرة أخرى وضع نفسه موضع الملاذ الأخير ورفع شعار "أنا أو القاعدة، أنا أو الفوضى". إنها الورقة التي استعملها بمهارة وذكاء منذ عام 2001. والواقع أنه مهما تكن تحفظاتنا بشأن الرجل، إلا أنه لا أحد يمكن أن يسمح بأن تنزلق باكستان إلى الفوضى، أو الحرب الأهلية، أو سيطرة الإسلاميين المتشددين على مقاليد الأمور- وهذا هو الأخطر. والواقع أن لهذا السيناريو الكارثي وقعاً أسوأ من أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ فباكستان بلد يكتسي أهمية كبرى على الصعيد الاستراتيجي، ويتوفر على السلاح النووي. غير أن طابعه الهش أضحى نقطة إيجابية بحيث أن الجميع يتابع ما يجري فيه باهتمام وحذر. فنظراً لأن الوضع العسكري في باكستان قد بات هشاً بالنسبة للغربيين، فإن هؤلاء لا يمكنهم أن يسمحوا بأدنى خطر في باكستان. ومن جهة أخرى، فإذا لم يكن مشرف متورطاً بشكل شخصي في اغتيال "بوتو"، التي لم يوافق على عودتها إلى باكستان إلا مكرهاً ومجبراً تحت وقع المطالب الأميركية القوية، فإن رحيلها يخدم مصلحته بحيث يضعه من جديد وسط الرقعة السياسية. وهكذا، يكون برويز مشرف قد عزز مواقعه في العلاقة الصعبة والدقيقة التي تجمعه بالبيت الأبيض. وختاما يمكن القول إن مشرف يشبه بلده. فهو قوي بضعفه وهشاشته. إنه مزعج، ولكنه في الوقت نفسه حاكم لا يمكن الاستغناء عنه. وهو شخص لا يمكن تجنبه، ولكنه في الآن نفسه مثير للجدل!