يوما الأربعاء والخميس الماضيان، وصل سعر البترول لفترة قصيرة إلى 100 دولار للبرميل. وكان من الطبيعي أن يحتل هذا الارتفاع الجديد والقياسي في الأسعار العناوين الرئيسية. ولكن السؤال هنا هو: ما الذي يعنيه هذا الارتفاع بخلاف تلك النقطة الواضحة المتمثلة في أن الاقتصاد العالمي قد أصبح واقعاً تحت ضغط زائد؟ حسنا في جوانب من جوانبه، يعني هذا الارتفاع في السعر أننا منخرطون في مناقشة خاطئة حول السياسية الخارجية. ويمكن القول إن جميع الأحاديث المتعلقة بالسياسة الخارجية التي نسمعها في سياق الحملة الانتخابية، كانت مدفوعة بشكل أو بآخر بالحادي عشر من سبتمبر أو بالحرب على العراق، في حين أن التحدي الحقيقي الذي سيواجه الرئيس القادم في الولايات المتحدة سيكون في الشرق الأقصى وليس في الشرق الأوسط كما يعتقد. وبشكل خاص، يتوقع أن تتعلق الأسئلة الحيوية التي سيواجهها الرئيس القادم بتداعيات النمو الاقتصادي الصيني. فإذا ما تناولنا كل هم من الهموم التي تشغل بال أميركا في الوقت الراهن على حدة، فسيتبين لنا مدى خطورة الدور الذي تلعبه الصين في خلق هذه الهموم. فإذا ما بدأنا بالارتفاع الكبير في أسعار البترول، سنجد أن هذا الارتفاع، وبخلاف ذلك الذي كان قد حدث في أعقاب حرب أكتوبر 1973، وفي أعقاب الإطاحة بشاه إيران، لم يكن ناتجاً عن أحداث وقعت في الشرق الأوسط، وأدت إلى التأثير بالسلب على تدفق النفط إلى الأسواق العالمية، وإنما كان راجعاً إلى تطورات تمتد جذورها في قارة آسيا. صحيح أن العرض العالمي من النفط كان يتزايد بشكل بطيء، وهو ما يرجع لحقيقة أن هذه السلع الحيوية قد أصبحت تنفد من العالم شيئاً فشيئاً وخصوصاً بعد أن أصبحت الاكتشافات البترولية الجديدة نادرة وغدت عملية استخراج البترول حتى إذا ما عثر عليه صعبة لأسباب مختلفة. فالسبب الرئيسي في أن العرض من البترول لم يكن قادراً على مجاراة الزيادة في الطلب، وهو ما يتمثل في زيادة استهلاك هذه المادة في الاقتصادات الصناعية الحديثة وخصوصا في الصين. فالطلب الصيني الآن يعادل 9 في المئة من إجمالي الطلب العالمي على هذه المادة. ونتيجة لحقيقة أن الطلب الصيني من المادة كان يتزايد طردياً من نمو اقتصادها فإن الصين في السنوات الأخيرة كانت هي المسؤولة عن ثلث كميات الزيادة في الاستهلاك العالمي للنفط. بناء على ذلك يمكننا القول إنه يمكن العثور على السبب الذي أدى الى وصول سعر البترول 100 دولار للبرميل فيما يعرف الآن بالظاهرة الصينية. وإذا ما تحدثنا عن السلع المصنعة في الصين، فإن ذلك سينقلنا إلى نقطة أخرى في موضوعنا هذا. ففي الولايات المتحدة هناك قلق في الوقت الراهن بشأن تأثيرات العولمة على الأسعار، خصوصاً بعد تزايد الواردات من الدول ذات العمالة المنخفضة الأجور بمقدار الضعف منذ عام 1993. النقطة الأخيرة والأكثر أهمية في الوقت ذاته هي تلك المتعلقة بالتغير المناخي الذي يعتبر من أخطر المشكلات التي تواجه الولايات المتحدة بل والعالم بأسره. ولكن ما علاقة الصين بالتغير المناخي في الأساس؟ هناك علاقة أكيدة حيث تشير بعض التقديرات إلى أن الصين هي أكبر الدول الملوثة التي تصدر عنها انبعاثات غازية في العالم. ومثلما هو الحال مع الطلب العالمي على النفط، فإن الصين تلعب دوراً كبيراً في ارتفاع نسبة هذه الانبعاثات. فخلال الفترة من عام 2000 إلى 2005 كانت الصين كما تشير التقديرات هي المسؤولة عن نصف الزيادة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ما يعنيه ذلك هو أن أي محاولة لتخفيف الاحتباس الحراري ستكون غير كافية إلى حد مؤسف ما لم تشمل الصين. فإذا ما عدنا إلى الوراء، وتحديداً إلى عام 2001، فإننا سنجد أن الرئيس بوش عندما تراجع عن الوعد الذي كان قد قطعه على نفسه أثناء حملته الانتخابية بالعمل من أجل الحد من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري، كان عذره في ذلك أن اتفاقية "كيوتو" لا تتضمن الصين والهند. وعلى الرغم من أن الرئيس بوش قد قال ذلك كي يبرر عدم انضمامه لتلك الاتفاقية، وكي يبرر عدم إقدامه على اتخاذ إي أجراء من أجل تخفيف نسبة الانبعاثات الغازية في الولايات المتحدة، فإن ذلك لا ينفي أن المشكلة الحقيقية التي تواجه العالم في الوقت الراهن، هي كيفية جعل الصين جزءاً من الحل أيضاً، وليس فقط جزءا من المشكلة. ما الذي يقوله لنا كل ذلك فيما يتعلق بالسباق الرئاسي؟ على الجانب "الجمهوري"، نجد أن النقاش عن السياسة الخارجية يتسم بالتهديد والوعيد والتفاخر الزائف. فإذا ما قدر لنا أن نستمع إلى خطب وكلمات المرشحين "الجمهوريين" لخوض السباق الانتخابي الرئاسي، فسيبدو لنا وكأننا لا نزال في شهر فبراير من عام 2003، عندما كان النقاش الوطني يهيمن عليه أشخاص يعتقدون أن القوات المسلحة الأميركية قادرة بمفردها على بث الشعور بالصدمة والرعب في قلوب بقية دول العالم ودفعها للعمل من أجل تحقيق مصالحنا. نقطة يجب التذكير بها هنا، وهي أن تعداد الصين يعادل تعداد العراق خمسين مرة. أما "الديمقراطيون" فإن خطابهم يبدو أكثر معقولية بكثير من الخطاب "الجمهوري"، وإن كان يجب الإشارة أيضاً إلى أنه وسط قطاع من أنصار أوباما، هناك اقتناع بأنه عند انتخاب مرشحهم كرئيس فإن مشكلات العالم ستذوب وتختفي أمام شخصيته الكاريزمية متعددة الثقافات. نقطة يجب التذكير بها هنا: هذه الكاريزما لن تنجح مع الصينيين. لماذا؟ لأن الصين ضخمة بدرجة لا تسمح لأحد بممارسة البلطجة عليها، كما أن الصينيين يتصفون بالهدوء وبرود الطبع بدرجة لا تسمح لأحد أن يسحرهم بكاريزميته. ولكن هناك نقطة مهمة، وهي أنه على الرغم من أن الصينيين ينافسوننا في العديد من المجالات المهمة، فإنهم ليسوا أعداء لنا ويمكننا بالتالي التعامل معهم, إن الكثيرين من الأميركيين عندما يفكرون في مواصفات الرئيس المقبل في مجالات السياسة الخارجية، فإنهم يبدون أنهم يبحثون عن بطل يتفوق بقامته على الإرهابيين، ويكون قادراً على تحويل وجه العالم بتفاؤله. ولكن الرئيس الذي يجب أن يتطلعوا إليه يجب أن يكون رئيساً أكثر "عادية" إذ يكفي أن يكون مفاوضاً جيداً قادراً على المساومة بفعالية مع مستهلكين صعبي المراس، وقادراً أيضاً على إبرام الصفقات التي نحتاج إليها في مجال الطاقة وسياسة العملة، والحد من الانبعاثات الغازية. بول كروجمان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"