أرسل لي صديق من مونتريال في كندا يستفسر عن الضجة التي ثارت حول وفاء سلطان؟ ولا جديد فيها كلما اشتهر إنسان في عالم العربان! فيجب أن يكون شتم الإسلام، أو استخف بالدين، أو في المقابل، ضحك على عقول المسلمين في بعض خرافاتهم التي تملأ المحيط! أو أخرج لسانه مثل آينشتاين! وقد تكون وفاء سلطان هذه سورية متمردة، وليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، والطفل حين يتمرد لإثبات شخصيته يكسب العداوات، وهي كسبت الكفاية من العداوات فسَبّتْ وسُبّتْ (بالضم والمبني للمجهول)، ولو اتبعت سبل السلام -يقول البعض- لقادتها إلى جنات النعيم! و"الحقيقة" -عند من يرى شيئاً ما "حقيقة"- مُرَّة وموجعة، والتصريح بها جنون كما في كهف أفلاطون! ولكن هذه هي جدلية الإنسان. وقصتها تذكر بكتاب شحرور! وأياً كان رأيه و"خربطاته" -كما يقول السعوديون- فهو أثار حفيظة المسلمين وعداوتهم، وحب الكونجرس الأميركي، فطلبوا مثوله ليحدثهم، ونصرت بعض المخابرات رأيه بالسر والإعلان نكاية بالأصوليين! ولولا ما أثاره من غضب لبقي كتابه يأكله الغبار والصدأ، فالعرب في العادة لا يقرأون وينبُشون عن الأفكار! بل هم مسمَّرُون إلى الفضائيات والمغنيات بأجسادهن، أو يستهويهم برنامج عكس الاتجاه لما فيه من "المهاوشات" اللذيذة! ووفاء سلطان هذه هي وصاحب "أعشاب البحر" ونصر حامد أبو زيد وآخرون يخضعون لنفس القانون، والمسلمون اليوم يعيشون على ضرب صنج الجماعات الدينية، وزعيق المخابرات، وقطعان الدمى الآدمية وهي تهتف: بالدم بالروح نفديك يا أبو الجماجم؟! حتى إذا نكش نعاسهم واحد، وخبط رجل ميِّتهم آخر، أو قطع شخير نائمهم ثالث، قاموا وقالوا: مَن بعثنا من مرقدنا؟ وما زال بيننا وبين التنوير الإنساني واليقظة العقلية مسافة أربعة قرون، فما زلنا في مرحلة ما قبل الثورة الفرنسية، ويكفي أن أحد الصحفيين لمع بأشد من الشعرَى اليمانية في ظلمات العرب، بسبب أجواء السباب والمشاحنات ورفع الأصابع والتهديد بتقليع العيون! ولو عرض الرجل "الطبنجات" والغدَّارات في مجلسه "الفضائي"، لتمتع الجمهور العربي بمشاهد، تعجز عنها أفلام "الكاوبوي" مما تنتجه هوليوود! وهو يحكي قصة غرام العرب بالقوة والسباب والمشاحنات وعدم احترام بعضهم بعضاً. وأنا شخصياً حين أكتب في أحد المواقع الإلكترونية، يأتيني من التعليقات ليس الألف والإيلاف لابن حزم من "طوق الحمامة"، بل السب والشنق والملامة، وأنني لا أحسن اللغة العربية، مفكك الجمل ركيك العبارات، وأنني عار على ذلك الموقع! وهو ما يروي لك حقيقة "الشارع العربي"، وعقلية بعض العرب المسطَّحة كحدوة الحصان بتعبير قباني! وهم ليسوا استثناء، بل تشاركهم في هذه الصفة، شعوب المنطقة في غالبيتها الساحقة، من الكرد والبربر والعجم ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، على حد تعبير ابن خلدون. ونحن بذلك نسجل لحقبة رديئة من موت العقل العربي والشرق أوسطي بكل طبقاته واتجاهاته، حتى يأذن الله بالفرج، والموتى يبعثهم الله. فهذه هي مأساة الفكر العربي، بعض مَن ذهب لأميركا أصبح ألعن من الشيطان، متشرنقاً في وحدة الزمن، معادياً لقومه ومن حوله. يقول مالك بن نبي نقلاً عن محمد إقبال، إن الرجل ذهب للغرب فشرب من نبعه الزلال فأخصب وتخصب. قال له رجل فلاح يُعنى بالنبات في الأرض وهو يسمع المثل، هل تسمح لي بالتمثيل من الأرض؟ لعله يشبه الطعم من النبات الذي نأخذه، ونضعه على نبات آخر، فهو يمتص النسغ الحي من النبات الذي وضع عليه، ولكن يخرج نباته الخاص بإذن ربه. وعندنا مثل من الطب: حين نأكل فالطعام يتكسر إلى وحداته الأولية كي يبني الجسم كما هو، فيتخلى الطعام عن شكله ليندمج في الشكل الإنساني.. والكولسترول الذي يدخل يتحول إلى هورمونات وكورتيزون و"فيتامين دال"؟ سنة الله في خلقه وهلك المبطلون.