رهانات تؤجج الإضرابات الفرنسية... وخلفيات تعرقل إنهاء المحنة الصومالية استمرار إضرابات فرنسا الحادة وما نجم عنها من صراع سياسي ومطلبي، وتنامي الدعوة إلى انتهاج سياسات هجرة انتقائية في أوروبا، واستمرار الصراع المنسي في الصومال، وتجاوز كوريا الجنوبية عتبة "الدولة البازغة"، موضوعات أربعة نستعرضها خلال جولة سريعة في افتتاحيات الصحف الفرنسية. تواصل الإضرابات: استمرار الإضرابات ومعركة ليِّ الأذرع بين الحكومة والنقابات في فرنسا موضوع اكتسح أعمدة افتتاحيات الصحف الفرنسية يوم أمس السبت. ففي افتتاحية صحيفة لوفيغارو (ذات الميول اليمينية) تبنى "ستيفان مارشان" موقفاً موالياً لإجراءات الحكومة ومواقف ساركوزي الصارمة تجاه تعديل قوانين التقاعد وغيرها من اللافتات المطلبية العديدة المرفوعة في الإضراب الحالي. واعتبر الكاتب أن ما يحرك المُضربين هذا الأسبوع هو نوع مزاج اليسار "الثوري" الطافح، الذي شكل في يوم ما فلكلوراً وخلفية لأكثر أحلام اليسار "ثورية" بكل المعاني السلبية للكلمة. وهو يسار تجاوزه الزمن وتخطته الأحداث والأحوال وأثبت فشله السياسي وإفلاسه الإيديولوجي. والفرنسيون لا ذنب لهم، ولا شيء يلزمهم بدفع ثمن حالة الحنين إلى الماضي التي تجتاح بعض قطاعات اليسار المحرضة على الإضرابات. والمؤسف هو إقحام طلاب الجامعات أيضاً، وهم ثروة فرنسا الحقيقية، في هذا الخضم من التعطيل والتحريض المنافي لأبسط مبادئ الديمقراطية. وفي المقابل استغلت صحف اليسار واليسار المتطرف حالة العطالة والشلل العام والآثار الواسعة للإضراب لتوجيه جميع أشكال النقد للرئيس ساركوزي تحديداً. في افتتاحية ليبراسيون اعتبر "ديدييه بوركيري" أن أكثر شيء استفزازاً في ساركوزي هو أسلوبه وطريقته. فهو في كل شيء، صارم وعنيد وعنيف ومتعجِّل. ولولا ذلك فما الذي يجمع خصومه الكثيرين في الإضرابات الحالية؟ النقابات والعمال والموظفون، وأخيراً طلاب الكليات؟ الجميع مستاء من طريقة رئيس الجمهورية، ومن أسلوبه الحاد. أما هو نفسه فلا يبدو أن رغبته في إثارة الأعصاب، واستفزاز المشاعر، تقف عند حد قريب. والحقيقة أن هذه الصفة ملازمة له منذ كان رئيساً لحزب، ووزيراً "أعظم"، وعندما انتخب رئيساً أيضاً ها هو يتبنى استراتيجية الاستفزاز تلك. وفي افتتاحية صحيفة لومانيتيه ركز "بيير لوران" على أن سبب الاحتقان النقابي الحالي هو رفض الحكومة مناقشة مسألة تعديل المعاشات التقاعدية من حيث الأسس، وهذا هو ما وحد عمال النقل، والموظفين، وعمال الغاز والكهرباء، وأدى إلى تصليب المواقف. وإذا كانت قضية بهذه الدرجة من الأهمية في بلد "شائخ" تزداد فيه نسبة الشرائح المعنية بالتقاعد بشكل مطرد، تعتبر في نظر الحكومة أمراً قابلاً للتجاهل والمساومة، فإنها بالنسبة للعمال والنقابات قضية مصيرية لا يمكن التنازل بشأنها. وفي مقال رأي في مجلة لونوفل أوبسرفاتور أبرز رينيه موريو -وهو أستاذ علوم سياسية ومؤلف لعدة كتب عن الحركة النقابية الفرنسية- أوجه الضعف وأسباب الفشل الواضحة في مقاربة حكومة "فرانسوا فيون" الحالية تجاه إضرابات هذا الأسبوع. وأخيراً خصصت صحيفة لوموند افتتاحيتها (يوم أمس) للصراع على الرأي العام بين الحكومة والنقابات مقارنة ذلك بإضرابات 1995 الكبيرة، مبرزة إلى أي حد كان الرأي العام مع المضربين قبل 12 سنة، وإلى أي حد هو ضدهم اليوم. أوروبا... والهجرة الانتقائية: تصريحات وزيري خارجية فرنسا وألمانيا المتعلقة بتنظيم الهجرة في أوروبا علقت عليها افتتاحيات بعض الصحف الفرنسية مبرزة ضرورة إيجاد حلول تلائم بين تنظيم مطلوب بقوة لتدفق موجات المهاجرين إلى أوروبا، ومتطلبات سوق العمل داخل دول الاتحاد الأوروبي. في افتتاحية للوفيغارو بهذا الشأن اعتبر "إيف تريار" أن "الهجرة الانتقائية" التي تختار من خلالها الدول المستقبلة تحديداً المهاجرين ذوي التخصصات الفنية والمؤهلات الخاصة دون غيرهم، يبدو أنها أصبحت هي الخيار المفضل في عواصم غربية عديدة مثل باريس وبرلين ومدريد ولندن. ويرى الكاتب أن هذه السياسة حتى لو كانت تقدم حلولاً في نظر من يتبنونها، فإنها لا يمكن أن تنجح دون تنسيق كافٍ مع الدول المصدرة للمهاجرين. وإذا كانت دول أوروبا الوسطى كبلغاريا ورومانيا تتوقع الاستفادة من عضويتها الأوروبية فيما يتعلق بفرص مهاجريها، فإن الدول الأفريقية أيضاً يمكن أن تنال مكاسب شبيهة، إذا كتب للاتحاد المتوسطي الذي يبشر به ساركوزي أن يرى النور. وفي افتتاحية أخرى كتبها "جان كلود كيفر" في "لادرنيير نوفل دالزاس" رؤية تشير إلى أن على الاتحاد الأوروبي تبني سياسات هجرة انتقائية كتلك التي تطبقها الولايات المتحدة وكندا، مع التركيز على تطوير سياسات دمج للمهاجرين أكثر فاعلية في البلدان المستقبلة. استمرار المحنة الصومالية: صحيفة لوموند خصصت افتتاحية لآخر تطورات الوضع في الصومال بعد تجدد أعمال العنف في العاصمة بين مسلحين يعتقد أنهم متعاطفون مع "المحاكم الإسلامية" وبين القوات الإثيوبية، ما أدى إلى نزوح 173 ألف مدني من العاصمة. وتعود لوموند إلى خلفية المشهد الحالي مستعرضة مواقف مختلف القوى والأطراف الدولية المعنية بما يجري في الصومال، موجهة انتقاداً مبطَّناً للموقف الأميركي بالذات. فالولايات المتحدة التي تؤيد التدخل الإثيوبي في الصومال تستمد معظم موجِّهات موقفها المسبق من ذلك البلد المنكوب من التجربة المريرة لتدخلها هناك عام 1993، ومن سعيها لاعتقال بعض المتهمين بالضلوع في تفجير سفارتيها في كينيا وتنزانيا عام 1998، الذين تعتقد أنهم مختبئون في مقديشو. وليس الموقف الأميركي من الصومال هو وحده الجدير بالنقد، فالموقف الأممي أيضاً وصل درجة من العجز والشلل تجاه ما يجري هناك دفعت الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" إلى التعبير يوم 8 نوفمبر الجاري عن معارضته لإرسال قوات حفظ سلام إلى الصومال. وتنهي لوموند افتتاحيتها بالتأكيد أنه لا مطاردة المحاربين المتطرفين، ولا فشل التجارب الدولية السابقة، مما يسوغ بقاء المجتمع الدولي عاجزاً عن انتشال الصومال من محنته. والحل الوحيد في الظرف الراهن هو تشجيع مختلف الأطراف السياسية والدينية الصومالية على الالتقاء والاتفاق على مخرج. كوريا لم تعد دولة بازغة: تحت هذا العنوان كتب فريدريك لوميتر مقالاً في صفحات الرأي بلوموند، حشد فيه أدلة كثيرة على أن كوريا الجنوبية لم تعد بالمعايير الاقتصادية دولة نامية ولا حتى بازغة، بل لقد أصبحت دولة متقدمة من واقع الأرقام، وتتقدم في ذلك على الكثير من الدول الغربية الكبيرة. فسيئول التي ضربتها كارثة 1997 المالية الآسيوية، والتي اقترضت حينها من صندوق النقد الدولي 57 مليار دولار (سددتها كاملة مع حلول 2001)، ها هي الآن تحتل الترتيب رقم 11 في الاقتصادات العالمية متقدمة على المكسيك التي تفوقها في عدد السكان، مع تقدم صناعي استثنائي، وآخر في مجالات التنافسية والنوعية. وكمثال فإن الصناعات الكورية في مجال البرمجيات والاتصالات تقدم للمستهلك الكوري من الخدمات ما لا يتوافر أحياناً كثيرة في الولايات المتحدة، ويتقدم أشواطاً بعيدة أمام أوروبا. هذا إضافة إلى أن كوريا الجنوبية هي رابع بلد في العالم من حيث براءات الاختراع المسجلة (150 ألفاً تقريباً)، متقدمة على ألمانيا، وبعد اليابان والولايات المتحدة والصين. وفي المجال الاقتصادي تبني سيئول اقتصاداً بالغ التطور ينتقي من الاقتصادين الياباني والصيني كل ما هو مفيد فيهما، ويستفيد من كوريا الشمالية وفيتنام رخص العمالة والمواد الأولية. ولذا نرى ثقة الكوريين في تنافسية اقتصادهم من خلال الدخول دون خوف أو عُقد في اتفاقات تبادل حُر مع أميركا، وها هم يوشكون على توقيع اتفاق مماثل مع الاتحاد الأوروبي. إعداد: حسن ولد المختار