من المفارقات الدائمة في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني أن الخطوط العريضة لتسوية قائمة على حل الدولتين، أو بمعنى آخر النقاط التي تضغط وزيرة الخارجية الأميركية "كوندوليزا رايس" على الطرفين من أجل توقيعها في الوقت الذي يتلاءم مع موعد عقد مؤتمر نوفمبر القادم، ليست بحاجة إلى توضيح بالنسبة لأي أحد لديه التزام بالواقعية وخريطة جيدة. وفي الواقع أن جماعات إسرائيلية وفلسطينية عديدة قد عبرت عن تلك الخطوط العريضة، واتفقت عليها في مناسبات عدة خلال الخمسة عشر عاماً الماضية. فأحد مجالس الوزراء الإسرائيلية، صوت بالموافقة على الصفقة الأساسية منذ سبع سنوات تقريبا، كما أن الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس قد التزم بها عام 1995. والبنود العامة في تلك الخطوط العريضة هي على النحو التالي: سيتم الفصل بين إسرائيل والدولة الفلسطينية الجديدة على أساس حدود 1967، وستكون هناك مبادلات محدودة للأراضي، تسمح بإلحاق معظم المستوطنين اليهود في الضفة الغربية بإسرائيل، مع تقديم أرض بديلة للفلسطينيين تستخدم كممر بين الضفة الغربية وقطاع غزة. أما الجزء المتبقي من المستوطنين اليهود، فسيتم إجلاؤه كما سيتم دعوة اللاجئين الفلسطينيين للعودة وإعادة الاستقرار في الدولة الفلسطينية وليس في إسرائيل. وفيما يتعلق بالقدس المقسمة بالفعل بين اليهود والعرب، فإن الأحياء العربية ستكون تحت الإدارة العربية والأحياء اليهودية تحت الإدارة الإسرائيلية على أن تقوم كل دولة بالإشراف على مقدساتها في المدينة. إن فشل القيادات، والأجندات التي لا يمكن التوفيق بينها، والرأي العام المعادي هي العوامل التي حالت دون التوقيع على هذه البنود ووضعها موضع التنفيذ رسمياً. من المبكر للغاية القول ما إذا كانت القيادتان الإسرائيلية والفلسطينية الحاليتان سترتفعان إلى مستوى الحدث أم لا، ولكن يمكن القول إن دبلوماسية "رايس" قد أفرزت نتيجة ذات شأن. وهي أنها قد أثبتت أن السنوات السبع الماضية التي بذل الإسرائيليون والفلسطينيون خلالها قصارى جهودهم من أجل تغيير شروط التسوية المتاحة- وامتنعت فيها إدارة بوش عن التدخل في غالبية الأحوال – قد مثلت مضيعة كارثية للوقت. وخلال الفترة التي انقضت ما بين آخر محادثات إسرائيلية- فلسطينية جدية، وهي تلك التي تمت في يناير 2001 وبين استئناف تلك المحادثات الشهر الحالي، لقي ما يزيد عن 4000 فلسطيني وإسرائيلي حتفهم في الصراع. ومع ذلك، وبمجرد أن بدأت تلك المحادثات مرة ثانية، وجد المفاوضون من الجانبين أنفسهم يكررون نفس المطالب تقريباً، ويلمحون إلى نفس التنازلات التي ألمحوا إليها، عندما حاول الرئيس كلينتون أن يتوسط من أجل التوصل لصفقة بين الطرفين. والانتفاضة الفلسطينية الثانية التي يمضي عليها بحلول هذا الخريف سبع سنوات كانت هي الطريقة التي استخدمها ياسر عرفات من أجل تجنب التخلي عن حق العودة، ولكن الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس يعترف الآن في لقاءاته الخاصة مع المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين بأن مثل تلك العودة لن تتحقق. وكان "آرييل شارون" رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي تولى منصبه عام 2001 قد أقدم على اتخاذ مجموعة من الخطوات الشجاعة لكي يعيد رسم الخريطة الإقليمية- حسب رؤية المفاوضين الإسرائيليين- إلا أن خليفته"إيهود أولمرت" ألمح بالفعل إلى أن إسرائيل مستعدة، مرة ثانية، للتخلي عن الأحياء العربية في القدس والقبول بحدود قريبة من خطوط 1967. يحمل هذا في طياته علامات مشجعة، وأخرى باعثة على الإحباط بالنسبة لـ"يوسي بلين" السياسي الإسرائيلي "اليساري" المحنك الذي كان في قلب معظم مفاوضات السلام التي دارت بين الجانبين سواء الرسمية أو غير الرسمية. فخلال العقدين الأخيرين تفاوض "بيلين" على "إطار اتفاقية الوضع النهائي" مع محمود عباس عام 1995 كما شارك عام 2001 في المحادثات الإسرائيلية- الفلسطينية التي جرت في منتجع طابا المصري. وفي عام 2003 وعندما كان خارج الحكومة، ترأس فريقاً إسرائيلياً تفاوض على اتفاقية غير رسمية أطلق عليها" اتفاقية جنيف" وكان رئيس الوفد الفلسطيني المشارك فيها هو ياسر عبد ربه. والفائدة التي تحققت من خلال هذه المفاوضات بين الجانبين، وكما جاء على لسان "بيلين" في تصريح أدلى به أثناء زيارته لواشنطن الخميس الماضي هي: "ليس هناك أشياء مجهولة في هذه العملية، فنحن نعرف أين توجد الخطوط الحمراء بالنسبة لعباس وعبد ربه وغيرهما من الفلسطينيين المعتدلين... وهم أيضا يعرفون تماماً أين توجد خطوطنا الحمراء". وعلى الرغم من أن "بيلين" لم يعد عضواً في الحكومة الإسرائيلية، فإنه لا يزال يمتلك أفكارا مثيرة للاهتمام. فهو مثلاً يعتقد أن أولمرت وعباس لن يتمكنا من الاتفاق على قائمة مفصلة من المبادئ بحلول نوفمبر ليس لأنهما لا يعرفان ماهية هذه المبادئ، ولكن لأنهما ضعيفان سياسياً لدرجة لا تسمح لهما بأن يلزما نفسيهما بشيء. و"بيلين" لديه اقتراح في هذا الصدد، وهو أن يتحدث الزعيمان بشكل عمومي حول معظم الموضوعات مع التركيز على واحد منها بالتحديد، ويفضل أن يكون من الموضوعات غير المثيرة للجدل مثل موضوع الأراضي على سبيل المثال. و"بيلين" يقترح نصاً يتم فيه إعلان أن الدولة الفلسطينية ستُقام وفقاً لخطوط عام 1967 وسيتم إجراء مبادلات في الأراضي بين الجانبين وأيضاً بعض التعديلات بشأن مسائل أخرى، وهو ما سيكون إذا ما تحقق بمثابة "اتفاقية تاريخية" والسؤال في رأيه، ليس هو ما إذا كان من الممكن التوصل إلى تلك الصفقة، أو ما إذا كان سيتم تنفيذها في أي وقت قريب، وإنما هو: هل سيتمكن الزعيمان الإسرائيلي والفلسطيني من استدعاء قدر كاف من الشجاعة يمكنهما من التوقيع عليها على الأقل. جاكسون ديل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"