الأطفال عندنا في الدولة، إماراتيين وغيرهم، أصبحوا يجبرون آباءهم وأمهاتهم على شراء كل ما له علاقة بالمسلسل الكرتوني المحلي الناجح "الفريج"، الذي اشتهر خلال شهر رمضان، وخاصة شخصيته الرئيسية "أم خماس". فقد ذكر لي صديق عربي أن طفلته التي لم تتعد سن الثالثة متعلقة بـ"أم خماس" حتى بات يبحث الآن عن حلقات المسلسل الخمسة عشر. ومن ضمن ما ذكر لي أيضاً أن ابنته كانت خلال مشاهدة الحلقات في رمضان ترفض التحول إلى قناة أخرى غير قناة "سما دبي" إلى أن تنتهي من مشاهدة حلقة "أم خماس"، أنا متأكد أن هذا المشهد عاشه معظمنا مع أبنائه في البيت. وصديق آخر قص لي أن ابنته متعلقة بالملابس التي تحمل صورة "أم خماس" أو إحدى شخصيات المسلسل. هذه المشاهد أنا متأكد أنها تتكرر بين العديد من الآباء؛ لذا لم يعد من المستغرب أن تجد بعض الآباء يحاولون الحصول على حلقات مسلسل الفريج، الحالية والقديمة، رضوخاً لرغبة أبنائهم وفي كثير من الأحيان لرغبة شخصية لهم لأن هذا المسلسل استطاع أن يخاطب الكبار قبل الصغار ويجذبهم إليه. الشعبية التي حققها مسلسل الفريج في جذب الطفل حيث استطاع خلق شخصية كرتونية محبوبة من الأطفال، وهي عملية غاية في الصعوبة إذ كثيراً ما تعمل الدول على خلق شخصية تستطيع مخاطبة عقل الطفل وعادة ما يكون الفشل في مثل هذه التجارب هو مصير كثير من المحاولات، أما هنا في الإمارات فقد تجاوزنا هذا التحدي بعد نجاح مسلسل "الفريج". ومن باب الفضول جلست بين أطفال (أولاد وبنات)، تتراوح أعمارهم ما بين الخمس والعشر سنوات، وسألتهم واحداً واحداً حول من يحبون؛ "أم خماس" أم "باربي" أو "فلة"؟ فكانت إجاباتهم وبسرعة عفوية ودون تفكير: "أم خماس". صحيح أنهم لم يستطيعوا الإجابة عن السؤال لماذا؟ لكني وصلت إلى ما أريده من السؤال، وهو معرفة الشخصية الكرتونية التي وصلت إلى مخيلة الطفل في الإمارات وتعلق بها، سواء كان هذا الطفل إماراتياً أم عربياً. وإذا كان تعلق الأطفال الإماراتيين يأتي من تعطشهم لكل ما هو إماراتي وباللهجة المحلية وسط خليط ثقافي، فإن تعلق الأطفال العرب بهذا المسلسل هو تأكيد على نجاح الفريق في ابتكار شخصية كرتونية محبوبة لدى الجميع، وهو رغم عدم إدراك الكثيرين له، فإنه نجاح آخر يسجل للقائمين على هذا المسلسل. ما ذكرته حتى الآن ليس تخيلاً ولكنه واقع معاش بل هو أفضل طريقة مثالية لجمع المعلومات ويستطيع أي واحد منا أن يستطلع رأي الأطفال ويخرج بالنتيجة التي خرجت بها أو إلى ما هو قريب منه. شخصيات مسلسل "الفريج"، بما حققته من شعبية، هي مدخل مهم جداً من أجل الحفاظ على القيم والتقاليد المحلية وتناقلها. وما يهمني هو ضرورة استغلال نجاح شخصية "أم خماس" ورفاقها في المشروعات التعليمية والتثقيفية، قبل التجارية، ولتمرير بعض القيم التي لها علاقة بالانتماء للدولة أو ما نريد تعليمه لأطفالنا. الأفضل عندي، أن ننتهز الفرصة ونبدأ في توظيف هذا النجاح تربوياً قبل أن يسبقنا الصينيون أو أحد المغامرين إلى الفكرة ويبدؤوا في استغلال الشخصيات المحلية تجارياً. فاستغلال شخصية "أم خماس" لتمرير قصص وحكايات محلية تغرس في نفوس الصغار قيماً معينة، يبقى أفضل كثيراً من الاعتماد على ترجمة بعض القصص من التراث الأفريقي، مثلاً، وتعليمه للأطفال. وأعتقد أن ارتباط الطفل الإماراتي بهذه الشخصية يتيح بسهولة تمرير كل ما نريده، تعليمياً، وقيمياً من خلال "أم خماس". خوفي أن تقضي الصين على "أم خماس" باستغلالها في كل المجالات من أجل التوسع في استغلال هذه الشخصية في كل الجوانب، فتفقد نكهتها الإماراتية ونرى "أم خماس" صينية في المستقبل! محمد خلفان الصوافي sowafi@hotmail.com