تكرار الإضرابات العمالية التي تشهدها الإمارات، وتحديداً إمارة دبي، صار أمراً ملفتاً ومزعجاً لكثير من المواطنين والمقيمين، وخصوصاً الإضراب الأخير الذي أدى إلى تحطيم 18 سيارة خصوصية وسيارتين حكوميتين. ومن ناحية المبدأ لا أحد يشك في أن حكومة أو دولة تقف بلا تردد مع من يبحث عن حقه، بل وتطالب به إلى جانبه حتى النهاية كي لا يضيع حقه المشروع... أما من يأتي إلى الإمارات ليخرب فيها ويستعرض عضلاته فهذا ما لا يجب أن يُسمَح به وهو أمر غير مقبول لا قانونا ولا من قبل أفراد المجتمع وهؤلاء من الذين يفترض أن لا يكونوا بيننا... فكل إنسان على أرض الإمارات يريد أن يعيش بسلام وأمان وليس لديه أي استعداد للقبول بشخص "مخرب". يقال إن تلك المجموعة المضربة عن العمل، كانت تطالب بزيادة في رواتبها وأجورها على الرغم من أنها وقعت على عقود سابقة ووافقت على المبلغ المخصص لها والذي يفترض أنها تتسلمه أولاً بأول... أما إذا اكتشف بعضهم أن المبلغ الذي يتقاضونه أقل من طموحهم ومن ثم يريدون رفع رواتبهم بالقوة، فإن هذا أسلوب مرفوض جملة وتفصيلاً ونطالب وزارة العمل أن تكون حازمة إلى أبعد الحدود مع هؤلاء لضمان عدم تكرار هذه السلوكيات مرة أخرى... فالدولة بها قوانين ومؤسسات حكومية وخاصة وحتى دولية يمكن الحديث إليها عند الحاجة. هذا الإضراب بدأ فجر السبت 27-10-2007 عندما أقدم حوالي أربعة آلاف عامل على إغلاق الطريق الرئيسي المؤدي إلى منطقة جبل علي الحرة في دبي، ثم قاموا برمي الحجارة باتجاه السيارات ملحقين أضراراً جسيمة بحوالى 18 سيارة. وعندما وصلت سيارات مكافحة الشغب، لم تسلم هي أيضاً من التخريب! المحتجون كانوا يطالبون بزيادة رواتبهم التي تتراوح بين 600 وألف درهم (146 و272 دولاراً) شهرياً، إضافة إلى زيادة عدد الحافلات التي تقل العمال إلى أماكن عملهم، وتأمين مساكن مناسبة لهم... أما بالنسبة لزيادة الرواتب فهي مسألة تعود للشركة وخصوصاً أن جميع العمال يكونون قد وقعوا على عقود تشمل موافقتهم المسبقة على الراتب الذي سيتقاضونه طوال فترة عملهم في الإمارات. أما مسألة عدد الحافلات التي تقلهم والمسكن المناسب الذي يناسبهم، فاعتقد أن بامكان وزارة العمل أن تتدخل في هذا الأمر وترى إن كانت مطالب العمال في محلها أم لا. وإذا ما توصلنا إلى قناعة مفادها أن الإضراب هو الحل "الأفضل" للمطالبة بحقوقهم، فهذا أيضاً أمر يمكن أن نتقبله رغم أنه أمر غريب على المجتمع، لكن بما أن الأمور الغريبة على المجتمع صارت أكثر من الأمور غير الغريبة، فلم يعد أمامنا إلا أن نتعامل ونتعايش مع هذه الأمور ولكنها يجب أن تكون سليمة مائة بالمائة بدون شغب أو تخريب. أما ما قامت به تلك الفئة العمالية من إغلاق للطريق وعرقلة لحركة السير وتخريب للممتلكات العامة، فهو أمر غير مقبول. لقد اتخذت الإمارات مؤخراً سلسلة تدابير مشددة لحماية حقوق العمال الأجانب، بعد تكرار مخالفة بعض الشركات لقوانين العمل وعدم إيفائها بحقوق العمال داخل الدولة... كما أن وزارة العمل فرضت غرامات بأكثر من 400 مليون درهم (109 ملايين دولار تقريباً) على الشركات التي تأخرت في تحرير العقود مع عمالها؛ لأن الدولة لا تسمح بل وترفض استغلال اليد العاملة الأجنبية. ولو توفر "حسن النية" عند تلك الفئة المضربة لاختارت طرقاً أكثر حضارية وسلامة من الإضراب والتخريب والتكسير. القراءة الأخرى لواقع هذه الاضرابات إذا ما تعاملنا معها بحسن النية، أي بالتركيز على المطالبة بزيادة الرواتب -وهي النقطة المهمة في هذا الموضوع- فهي أنها بشكل عام تشير إلى وجود مشكلة حقيقية في الرواتب في الإمارات. أما الحقيقة الأخرى فهي أن هذه المشكلة لا يمكن حلها يرفع تلك الرواتب للموظفين والعمال، فالوضع في البلد لم يعد صحيحا أو مقبولا ورفع الرواتب لم يعد حلا فأية زيادة في الرواتب ستلحقها مباشرة ارتفاعات متتالية في السلع والبضائع والخدمات... والحل الذي يجب أن تفكر فيه الحكومة قبل أن نجد أنفسنا أمام "اضرابات" لموظفين من القطاعين الخاص والعام هو أن تتم معالجة مشكلة التضخم التي تعاني منها الدولة منذ أشهر دون أي حل؟! وهناك نقطة أخرى مرتبطة بمسألة الرواتب بشكل جذري ومباشر وربما هو ما يجعل الجميع يطالب بزيادة رواتبهم، وهو انخفاض قيمة صرف الدرهم الإماراتي مقابل العملات الأخرى بسبب ارتباطه بالدولار الأميركي. واعتقد أنه صار من المهم أن تتخذ الدولة قراراً واضحاً في هذا الأمر فـ"الناس افتقرت" بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى. فقيمة الدرهم الإماراتي لم تعد تساعد إلا على الإيفاء بمتطلبات الحياة الضرورية... والتضخم الذي تشهده الدولة منذ أشهر يعصر ليس العمالة فقط بل وحتى الاستثمارات المحلية التي صارت مختنقة من الحالة التي هي فيها. آخر عهدي بالدولار أنه تراجع مجدداً يوم أول أمس الاثنين، حيث أقفل على 1.4430 دولار لليورو الواحد مقابل 1.4385 دولار الجمعة، ولا أدري كم سيكون قد وصل وقت نشر هذا المقال. لا شك أن أغلب دول الخليج واقعة تحت ضغط كبير بسبب ما يرتبه تراجع سعر الدولار الذي لا يبدو أنه سيحسن مواقعه في المدى المنظور، إذا كانت الولايات المتحدة تضغط على الصين لتحرير عملتها فقد يكون من مصلحتها أيضاً فك ربط عملات الخليج بالدولار وتحريرها... ونظراً لصعوبة أي قرار قد يتخذ في هذا الشأن وتداعياته على المنطقة التي تربط عملاتها بالدولار منذ عقود، فإننا نتمنى أن تشهد قمة دول مجلس التعاون الخليجي في ديسمبر المقبل اتخاذ قرار في موضوع فك الارتباط بالدولار. قد يكون جزء من العلاج المطلوب لحالة التضخم في الخليج هو رفع قيمة العملات الخليجية لكن العلاج الأهم هو في السيطرة على ارتفاع الإيجارات وحل مشكلة نقص المعروض من المساكن، لأنه من الواضح أن مشكلة التضخم محلية وليست مستوردة.