الندوة التي ينظمها "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" على مدار يومين بالتعاون مع "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في الولايات المتحدة الأميركية، تحت عنوان "الصين والولايات المتحدة والشرق الأوسط.. الدبلوماسية والاستراتيجية والعلاقة الثلاثية"، سلطت الضوء بقوة على موقع منطقة الشرق الأوسط في تفاعلات العلاقات الصينية- الأميركية، وأوضحت كيف ينظر كل من طرفي هذه العلاقات إلى المنطقة، وبالمقابل أيضاً كيف تنظر دول المنطقة إلى كلٍّ من الصين والولايات المتحدة وكيف تدير العلاقة مع هاتين القوتين. القيمة النوعية لهذه الندوة، التي تُختتم اليوم، لا تنطلق من محورية الموضوع فقط، بل في كونها تضم باحثين وخبراء وأكاديميين متخصصين من الصين والولايات المتحدة ودول منطقة الشرق الأوسط أيضاً، خصوصاً من "دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، وبالتالي جاءت التفاعلات والمداخلات مثمرة وذات مردود إيجابي منذ الجلسة الأولى، حيث بدا واضحاً أن هناك حرصاً متبادلاً على الفهم المتبادل والاستماع إلى مختلف وجهات النظر. أهمية هذه التفاعلات البحثية والفكرية تكمن أيضاً في أن العلاقة بين أطراف هذا المثلث تشهد تطوراً مستمراً بحكم تطور المصالح وأيضاً بحكم التغيّرات التي تطرأ على شبكة العلاقات والمصالح الدولية بمرور الوقت، وبالتالي تتضح قيمة استكشاف مواطن التغيّر والتحوّل في العلاقة بين أطراف هذا المثلث من أجل بناء رؤى استراتيجية قائمة على معطيات حقيقية وإدراك واقعي لمختلف العوامل المحرّكة لهذه العلاقات، ولا سيما في ظل تقديرات "وكالة الطاقة الدولية" التي تتوقع أن يشكّل نفط الشرق الأوسط ما لا يقل عن 70% من واردات الصين من النفط بحلول عام 2015 بعد أن وصلت النسبة إلى 46% عام 2006. الندوة تطرح وتناقش قضايا وموضوعات في غاية الأهمية بالنسبة إلى صانعي القرار والباحثين والمتخصصين في دول المنطقة، من أبرزها أمن الطاقة، والرؤية الاستراتيجية الصينية والأميركية للقضايا المؤثرة في أمن الطاقة، خصوصاً في ظل وجود نخبة من الخبراء والمتخصصين الصينيين والأميركيين، ما يمثل فرصة مهمّة لطرح ومناقشة هذه القضايا، حيث أكّد بعض الباحثين الصينيين من جانبهم أن أكثر ما يهم بلادهم في الشرق الأوسط العلاقات الاقتصادية بما فيها التجارة والاستثمار والأهم من هذا وذاك الطاقة، ورغم أولوية الأجندة الاقتصادية التي تحرّك السياسة الصينية تجاه الشرق الأوسط، فإن الباحثين الصينيين لم يستبعدوا تحوّل الاهتمام الاقتصادي إلى اهتمام استراتيجي بخاصة حين يتعلق الأمر بقضايا إمدادات الطاقة، ما أثار تساؤلات حول إمكانية أن تسعى الصين إلى تطوير علاقات عسكرية وأمنية مع دول المنطقة بهدف حماية مصلحتها الاقتصادية المتنامية في الشرق الأوسط، وإن كان بعض هؤلاء الباحثين يستبعد تحوّل التنافس بين القوتين على تأمين إمدادات النفط إلى مواجهة من أي نوع انطلاقاّ من أن بكين لا تسعى إلى تحدي الموقع المهيمن للولايات المتحدة في المنطقة. بعض الباحثين الأميركيين رأوا من جانبهم أن الدور المتزايد للصين في المنطقة من الممكن أن يتحول مستقبلاً إلى شراكة استراتيجية لكنهم يرون أن نشر الصين قوة بحرية رئيسية في منطقة الخليج العربي وبحر العرب أمر لن يحدث، خلال المدى المنظور، من دون أن ينفوا مقدرة الصين، حالياً، على التأثير في توازن القوى في الشرق الأوسط من خلال برامج التعاون العسكري مع بعض دول المنطقة. القضايا والمحاور التي تناقشها الندوة عديدة ومتشعبة على قدر تشعب شبكة العلاقات والمصالح القائمة بين أضلاع المثلث الصيني - الأميركي -الشرق أوسطي، ومن هنا يأتي المردود النوعي الهائل لهذه النقاشات. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.