في رأيي أن إنشاء وكالة فضاء آسيوية خاصة لا يزال حلما بعيد المنال، لسبب رئيسي هو أن برامج الفضاء في الدول الآسيوية مدفوعة إلى حد كبير بما يمكن أن نطلق عليه "النزعة القومية التقنية" Technonationalism وهي تلك النزعة التي نشأت وتعززت، بعد تحول بعض الدول الآسيوية إلى مراكز لإنتاج وتوليد المعرفة التقنية. وهذه النزعة تحولت بدورها إلى مصدر للفخر القومي لتلك الحكومات محلياً، وإلى وسيلة لاستعراض البراعة والذكاء التقني أمام الدول على الصعيد العالمي. ويدل على ذلك ما ورد على لسان" كيويانج زيايوان" كبير علماء برنامج القمر الصيني في مقابلة أجريت معه في موعد سابق من هذا العام مع جريدة "الشعب الرسمية" اليومية حين قال:"إن برنامج الصين لاكتشاف القمر يعكس قوة بلادنا من ناحية، علاوة على أنه يعد أمراً في غاية الأهمية من أجل تعزيز مكانتنا الدولية، وتمتين نسيجنا القومي". ويقول "جريجوري كولاسكي" المحلل المتخصص في الشؤون الصينية والذي يعمل لدى "اتحاد العلماء المختصين في واشنطن":"إن هذا البرنامج يؤدي دون شك إلى تحسين مهارات الصين في مجال التقنية الفائقة لأنها كما نعرف بحاجة إلى برامج الفضاء المأهولة وغير المأهولة لتعزيز صناعاتها الفضائية وتخريج جيل من المهندسين الصينيين الشبان الذين سيعملون مستقبلاً على تطوير صناعة الفضاء، وأنظمة الرصد الأرضي، ونظام تحديد الموضع عالمياً، والاتصالات، والتطبيقات العسكرية". ومن أبرز التحديات التي تواجه برنامج الفضاء الصيني ذلك الخاص بإنشاء العديد من المنشآت المتخصصة في مجال تصنيع الأقمار وأجهزة القياس بعيدة المدى، وغيرها من التقنيات حسبما يقول "زانج واي"، وهو مسؤول كبير في "إدارة الفضاء الصينية القومية". ومثل هذه التحديات مهمة للهند أيضاً، حيث يسعى المجتمع العلمي في هذا البلد، إلى الوصول إلى أفق جديد بعد أن وصل برنامجه النووي إلى مرحلة النضج. ففي هذا الصدد يرى "سوابنا كونا" المحلل في "معهد السلام ودراسات الصراع في نيودلهي:"بعد أن نضج البرنامج النووي الهندي، فإن السبيل الوحيد الذي بقي مفتوحاً أمام المجتمع العلمي في الهند هو البرنامج الفضائي". أما في اليابان، فإن برامج اكتشاف الفضاء تحمل في طياتها أمل تحقيق الاستقلال الذاتي، أي اعتماد اليابان على نفسها وتأمين وسائلها الخاصة لإطلاق الأقمار الاصطناعية. يعبر عن هذا الهم "أكينوري هاشيموتو" المتحدث باسم وكالة استكشاف الفضاء اليابانية الذي يقول:"إن مشكلتنا في الوقت الراهن هي أننا لا نستطيع أن نطلق قمراً اصطناعياً بمفردنا إذا ما احتجنا إلى ذلك، وإننا عندما نعتمد على دولة أجنبية أو شركة كبرى أجنبية لإطلاق قمر، فإن ذلك يجعلنا قلقين بشأن تسرب المعلومات". ولا يقتصر سبب اهتمام الدول الثلاث ببرامج اكتشاف القمر على أن تلك البرامج تمثل الخطوة المنطقية الأولى في اكتشاف الكواكب، وإنما لأن بعض المسؤولين فيها يرون أن هناك فوائد عملية تتجاوز المعرفة العملية التي يمكن تحقيقها من عملية رسم خرائط للقمر وتحليل سطح القمر، ومنها أن القمر غني بمادة "هيليوم-3" التي يمكن أن تستخدم في يوم من الأيام في المستقبل في عملية الصهر النووي من أجل توليد الطاقة. ويؤكد ذلك ما تداولته وسائل الإعلام من أن "المسبار تشاندرايان" الهندي سوف يبحث عن مادة "الهيليوم-3" بحسب تصريح لرئيس منظمة أبحاث الفضاء الهندية. وهناك أخبار أيضاً عن سعي الصين لاكتشاف هذه المادة لأن:"الموارد المعدنية والطاقة سوف تتحول مستقبلاً إلى حقل غاية في الأهمية للتنافس البشري". كان هذا ما قاله السيد "كيويانج" لصحيفة "الشعب" الصينية ذات يوم. وعلى الرغم من أن اتفاقية الأمم المتحدة بشأن القمر التي تم توقيعها عام 1979، تحظر امتلاك موارد القمر، إلا أن أياً من الدول التي تقوم بإطلاق الأقمار الاصطناعية- بما في ذلك الولايات المتحدة لم تصدق عليها باستثناء الهند. وكانت الهند أيضاً من أكثر الدول معارضة لحظر وضع أسلحة في الفضاء، وقد اتسم رد فعل المسؤولين الهنود على أنباء إقدام الصين على تدمير أحد أقمارها الاصطناعية القديمة التي كانت تستخدم في قياس الجو بالقلق والتوجس، لأن نجاح الصين في إسقاط ذلك الصاروخ كان يعني ضمنيا أنها قد أصبحت قادرة على تهديد الأقمار الاصطناعية المملوكة للدول الأخرى في أي حرب فضائية قد تندلع مستقبلاً. وكان "براناب موخيرجي" وزير الخارجية الهندي، قد أدلى بتصريح عقب إقدام الصين على إسقاط قمرها الاصطناعي القديم قال فيه:"الحقيقة أننا قد وصلنا بعد هذا العمل إلى مرحلة أصبحنا نسير فيها فوق خيط رفيع بين الاستخدامات الدفاعية في صورتها التي عرفناها حتى الآن، وبين التسليح الفعلي للفضاء". وفي ذلك التصريح أيضا دعا وزير الخارجية الهندية "إلى مضاعفة الجهود الرامية للتوصل لاتفاقية تضمن الاستخدام السلمي للفضاء". والصين كانت هي أيضاً من الدول التي دعت طويلاً إلى التوصل إلى مثل تلك الاتفاقية، ولكن المراقبين- وبعد التجربة التي نفذتها- أصبحوا يشكون في صدقها. في الوقت الراهن تسعى اليابان إلى تغيير نظامها الدفاعي الحالي المخصص في الأساس لمواجهة التهديد الذي تمثله كوريا الشمالية إلى نظام آخر أكثر تطوراً من خلال إعادة الحيوية مجدداً إلى برنامجها الفضائي. ويسعى الحزب "الديمقراطي الليبرالي" الحاكم في اليابان في الوقت الراهن إلى إعادة تعريف برنامجها السلمي الحالي للفضاء بحيث يصبح" غير عدواني" بدلاً من "غير عسكري"، وهي العبارة المستخدمة لتعريف هذا البرنامج حالياً. جوان جونسون- فريسي ــــــــــــــ خبير الفضاء في كلية الحرب البحرية الأميركية في نيوبورت ــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"