طوال سنوات مضت، وتحديداً منذ بدء دولة الاتحاد، أسدى الدولار الأميركي العديد من الخدمات التي ساهمت بشكل أساسي في أن يقف اقتصاد دول الخليج عامة، والإمارات خاصة على قدمين قويتين وعلى أرض صلبة. واليوم يأتي هذا التضخم المستورد من السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة، والتي تعمل على خفض قيمة الدولار وتقليل سعر الفائدة لتبرز مشكلة اقتصادية صعبة يمر بها اقتصاد الإمارات. وفي مقابلة مع معالي أحمد الطاير، وهو رجل اقتصاد من الطراز الأول، يؤكد على ضرورة فك ارتباط الدرهم بالدولار، بالتوازي مع ما قامت به الكويت من فك الارتباط الجزئي بالدولار واتجهت إلى سلة عملات. ولعل معالي الطاير كان الصوت الوحيد الذي قال إن الارتباط لم يعد بتلك الجدوى، وإن التحول إلى سلة عملات إنقاذ حقيقي لمشاكل الغلاء والتضخم، فزيادة الرواتب والأجور في القطاعين العام والخاص، لم تؤثر كثيراً في موازنة الموظفين نظراً لأن الغلاء وصل لدرجة التهام أية زيادة مهما ارتفعت. فالولايات المتحدة اليوم تتجه إلى زيادة وارداتها دون النظر إلى تبعات هذه السياسة على دول أخرى. وكعادتها ـ وكدولة عظمى وأحادية في عالمنا اليوم ـ تصر الولايات المتحدة على مواصلة خفض سعر الدولار ضاربة بعرض الحائط كل الأضرار المتعلقة بهذه السياسة، ولم تعد دول العالم تحرص على صداقة الولايات المتحدة كما كانت في الماضي، فمستنقع الحروب الذي تسببت به سياستها الخارجية، جعلها تفقد الكثير من سمعتها وعلاقاتها، وجعلها تبحث عن اقتصاد بإمكانه إنقاذ خسائرها العسكرية المقدرة بمليارات الدولارات. وقد يكون انتظار سنة أخرى لرؤية الوضع العام الاقتصادي ودراسته ودراسة فكرة التحويل بتقليل تكاليفها بقدر المستطاع، فكرة صائبة وتستحق الاعتناء والمتابعة حتى نضمن أن يستمر أداء الاقتصاد بالدولة بذات القوة والثبات. فخطوة الكويت الشجاعة وتتبعها المملكة العربية السعودية التي تفكر جدياً في الذهاب إلى بدائل أخرى، لابد أن تكون دافعاً لنا في الدولة للتخلص من تبعات هذا التضخم ومؤشره الذي يتراكم يوماً بعد يوم، والذي أدى كذلك إلى مشكلة أصعب، وهي هجرة العمالة الماهرة وبقاء غير الماهرة مما يؤثر سلباً على أداء السوق الاقتصادي الخاص والعام على حد سواء. ربما كان الدولار مفيداً قبل ثلاث سنوات من اليوم، لكنه اليوم وبسبب تخبط السياسة الخارجية الأميركية، ليس هناك مفر من اتخاذ قرار جريء بإمكانه أن ينقذ الكثير قبل فوات الأوان، وقبل أن يُسكب الحليب حتى آخر قطرة.