رغم الحديث عن تباطؤ نسبي في حجم الإنفاق العالمي على التسوّق عبر "الإنترنت"، العام الماضي، فإن من المتوقع -بحسب بعض الإحصاءات- أن تصل مبيعات "الإنترنت" في الولايات المتحدة إلى 116 مليار دولار هذا العام، كما ارتفعت المشتريات عن طريق "الإنترنت" في مجملها بنسبة 38%، خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2007، كل ذلك يفرض مناقشة مسألة استخدام "الإنترنت" كوسيلة للتسوّق في دولة الإمارات تحديداً، باعتبارها رائدة الدول العربية من حيث توظيف التقنية الرقمية ومستوى الجاهزية الإلكترونية، حيث تتوافر بها أرض خصبة لنمو التجارة الإلكترونية ولديها أفضل بنية تحتية تقنية في المنطقة، ونظام مصرفي متطوّر، وسوق "إنترنت" سريع النمو، إضافة إلى أن الموارد البشرية فيها تمتلك المهارات المطلوبة لعمليات التجارة الإلكترونية، بينما يمثّل حجم الإنفاق على تقنية المعلومات في الإمارات أكثر من 35% من مجموع إنفاق الدول الخليجية مجتمعة في هذا المجال. إن دولة الإمارات التي احتلت الترتيب رقم 23 عالمياً في تقرير تكنولوجيا المعلومات الدولي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، متفوّقة بذلك على عدد من الدول المتقدّمة، لا تزال تعاني ضعفاً واضحاً في حجم التجارة الإلكترونية بين القطاعات التجارية والمستهلكين، والتي لا تتجاوز 250 مليون دولار، بحسب أفضل التقديرات، كما أن هذا المبلغ على قلّته يعود إلى الشركات العاملة في مجال قطاع السيارات وتقنية المعلومات والقطاعات الأخرى المشابهة لوضع طلباتها إلكترونياً لدى الشركات الرئيسية والشركات الأم. وهذا الواقع بدوره يطرح تساؤلات أخرى أكثر أهمية حول كفاءة استخدامات "الإنترنت" في دولة الإمارات، وفي جميع المجالات الاقتصادية والتجارية والتعليمية والاجتماعية والثقافية وغيرها، إذ إنه ورغم ارتفاع عدد مستخدمي "الإنترنت" في الدولة إلى ما يقرب من ثلثي عدد السكان، وهو المعدّل الأكبر في المنطقة، فإن التحدّي الأكبر يتمثّل في ضعف كفاءة الاستخدام الإلكتروني في العديد من المجالات التي تجد رواجاً إلكترونياً كبيراً في الدول المتقدّمة، وفي مقدّمتها التسوّق، الذي يوسّع دائرة السوق المحلي إلى نطاق دولي وعالمي. إن دولة الإمارات، تخطو خطوات كبيرة باتجاه التحوّل كليّة إلى مجتمع يستخدم تقنية المعلومات والاتصالات على أوسع نطاق، وبفعالية عالية، لا تزال تواجه مشكلات عدّة في مجال التجارة الإلكترونية من أبرزها عدم وجود خطة استراتيجية واقعية تستهدف دعم عمليتي التسوّق والتسويق من خلال توفير بيئة أكثر أمناً للتعاملات الإلكترونية، وتطوير نظام دفع إلكتروني آمن يسهّل عملية التداول التجاري عبر "الإنترنت"، وإيجاد القوانين والتشريعات التي توفر الحماية اللازمة لأطراف العملية الإلكترونية من الغش والاحتيال، ودعم الثقة بإقرار السجلات الإلكترونية لدى الجهات القضائية، وإيجاد مواصفات قياسية لأدوات ونظم التجارة الإلكترونية، بما يوفّر مناخاً إلكترونياً آمناً. إلا أن ذلك يتطلّب تكاتف جميع الأطراف المعنية، والعمل الوثيق مع الأجهزة الفنية والهيئات التجارية للتأكد من اتباع خطة ثابتة ومتناسقة. في ضوء الانفتاح المتنامي الذي يشهده الاقتصاد الإماراتي، والذي رافقه جذب الشركات الأجنبية باتجاه السوق المحلي ما يرفع من درجة المنافسة على الساحتين المحلية والخارجية، فإن الاهتمام بالتعاملات الإلكترونية أصبح أمراً بالغ الأهمية والحيوية، حيث لن يكون هناك تعاون دولي فعّال في المستقبل دون اعتماد الوسائل الإلكترونية في التجارة العالمية، بعد أن اعتمدت أغلب البنوك العالمية منظومة من تقنيات العمل المصرفي التي تحتل فيها التعاملات الإلكترونية مناحي النشاط المصرفي كافة.