"ليست نهاية العالم بعد" هو عنوان كتاب جديد لصحفي الـ"بي بي سي" البريطاني الشهير "جون سيمبسون". الكتاب يحوي الكثير من مشاهدات وتجارب هذه الشخصية العالمية كمراسل للمحطة حول العالم، وقد جاءت في أجزاء منه حقائق وأرقام تشير إلى توقعات بما سيؤول إليه العالم خلال سنوات قليلة. التوقعات التي يرسمها سميبسون بناء على معطيات واستقراءات مستقبلية، تثير المخاوف والهلع وتقدم لوحة سوداوية قاتمة لما يسير إليه هذا العالم، وما ينتظر البشرية من مستقبل حالك الظلام. يسوق سيمبسون هذه التوقعات نتيجة التغيرات البيئية العظيمة التي ستخلق الجفاف والمجاعات، ستشح الأرض المزروعة، وستقل الموارد الغذائية، وستنعدم مصادر الدخل. ستظهر مدن إلى جانب المدن الكبرى الحديثة، حيث تعم الفوضى والجريمة والحرمان هذه المدن الهائلة الحجم والعدد. ستفتقد أبسط مقومات الحياة، فلا نظام ولا تعليم ولا صرف صحي ولا أمن ولا شرطة ولا قانون. ستكون مدناً محتقنة بالكراهية والعنف، وستكون مليئة بالقتل والنهب والسلب والاغتصاب، لا ضوابط ولا قانون، وسوف تشخص بنظرها ليل نهار إلى "مدننا المتحضرة" متربصة بنا تتحين الفرص للانقضاض علينا متى ما تمكنت من ذلك. يتوقع المتابعون انتشار أمراض وأوبئة من فيروسات جديدة تطور نفسها بنفسها، حيث تتوقع الدراسات أن يموت في بريطانيا وحدها- إذا ما ظهر وباء عالمي- سبعمائة ألف ضحية. يذكر أن الحمى الوبائية التي اجتاحت العالم بين عامي 1918-1920 قتلت ما بين عشرين إلى أربعين مليوناً من البشر (لاحظ عدم دقة التقديرات). وقد يفوق عدد القتلى بالوباء الذي يمكن أن يظهر هذه الأعداد بكثير، لأن أعدادنا أصبحت أكثر (عدد سكان الأرض ستة مليارات نسمة). ويدلل الكاتب بوباء سارس الذي قتل ألف شخص تقريباً، ولو لم يتم تداركه، لكان وباءً فتاكاً ولقضى على الملايين. شعرت بقشعريرة، خفت من المستقبل، رحت أحسب السنين، وأستعرض روزنامة العمر، شعرت براحة أنانية. من المؤكد أنني سأكون قد غادرت الدنيا حين تتحقق هذه التوقعات... كنت أقرأ هذه النبوءات القاتمة في طريق العودة بالطائرة من أبوظبي العظيمة الأسبوع الماضي، حيث عقد مهرجان المفكرين. جمع المهرجان نخبة من مفكري العالم والفائزين بجوائز نوبل، وكان من بينهم الكينية "وانغاري ماتاي"، وهي أول امرأة أفريقية تفوز بجائزة نوبل للسلام. في كلمتها، روت قصة قالت إنها يابانية (وإن كانت في ثقافات عديدة من بينها العربية)، عن حريق هائل شب في غابة خضراء وبدأ يلتهمها بسرعة كبيرة، فخرجت الحيوانات من جحورها وأعشاشها وأوكارها وعرائنها مبتعدة عن الغابة طالبة النجاة، وابتعدت عن الحريق ووقفت جميعاً تتفرج على الحريق دون حيلة وهو يلتهم الأخضر واليابس، ما عدا عصفور صغير، أخذ يطير نحو بحيرة ماء عظيمة، ويحمل في منقاره قطرات قليلة من الماء ليلقيها على النار المستعرة كالجبال، ويكرر العصفور دون توقف محاولته التي لم تؤثر في النار شيئاً، ولم تطفئ منها شرارة واحدة، فاستغربت الحيوانات، وسألته: ماذا تراك تفعل؟ فقال: أحاول أن أطفئ النار. فسألنه: وهل تظن أنه يمكنك أن تطفئ النار وحدك هكذا؟ فقال: طبعاً لا، ولكني أحاول بدلاً من الجلوس والتفرج على مصدر رزقنا وحياتنا في هذه الغابة يحترق أمام أعيننا ولم نحرك ساكناً، فأنا على الأقل أحاول، وأبذل قصارى جهدي... شعرت بالمسؤولية. حاولت التخلص من أنانيتي وخوفي، استجمعت كل تفاؤلي، نزلت من الطائرة، طلبت من مدخن أن يتوقف عن التدخين لأنه ممنوع في قاعة المطار، تجاهلني تماماً وراح ينفث دخان سيجارته بعناد، سرت في طريقي، مردداً لنفسي: أنا حاولت! ليست نهاية العالم بعد!