لقد مرت سبع سنوات على أحداث أكتوبر الدامية حين قامت قوات الأمن الإسرائيلية بقتل 13 شاباً من فلسطينيي 1948 تضامنوا مع انتفاضة الأقصى عند اندلاعها في مثل هذه الأيام من عام 2000. كما مضت أربع سنوات على نشر نتائج وتوصيات ما سمي بـ"لجنة أور" التي حققت في تلك الأحداث. ومع ذلك، فإن وضع فلسطينيي 1948 لم يتحسن إسرائيلياً، بل إن التمييز والعنصرية ضدهم يزدادان حدة وإمعاناً، حيث أكدت اللجنة في تقريرها أن "الحكومات المتعاقبة فشلت في إرساء المساواة بين المواطنين العرب واليهود"، وأوضحت أن "على الدولة أن تضع نصب عينيها كهدف أساسي تحقيق المساواة الحقيقية لمواطني الدولة العرب". بالإضافة إلى ذلك، نجد أن عنف وعدوانية الشرطة وأجهزة الأمن الإسرائيلية تجاه فلسطينيي 48 لم يتغيرا، فمنذ تشرين أكتوبر 2000 وحتى الآن قتل ما لا يقل عن 33 مواطنا عربيا على أيدي تلك الشرطة. وفي معظم الحالات، تم تقديم لوائح اتهام واهية ضد المتهمين. على صعيد مختلف، بل في المقابل، يرى تقرير رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" (يوفال ديسكين) بأن الجماهير العربية في الداخل هي "خطر استراتيجي" على إسرائيل. بل وصفهم بأنهم "خطر استراتيجي حقيقي، في الأمد البعيد، على الطابع اليهودي للدولة وعلى وجود إسرائيل كدولة يهودية". وفي تصريحه، يؤكد "ديسكين" أن "الشاباك "سيحبط كل نشاط متآمر وإن كان قانونياً وديمقراطياً". كذلك تستمر السلطات الإسرائيلية بانتهاج سياسة هدم البيوت خاصة في القرى العربية "غير المعترف" بها. وبالمقابل، يقول "جدعون ليفي"، المراسل المختص في حقوق الإنسان في صحيفة "هآرتس" في عددها ليوم 22 يوليو 2007، إنه "إذا كنا قد بلغنا نهاية الصهيونية فإن هذا ليس بسبب المشكلة السكانية بل بسبب الجغرافيا والأخلاق. لا يوجد تهديد سكاني. يوجد تهديد لقيم المجتمع، وهذه لا يحددها الإحصاء بل مقدار العدل الاجتماعي. إن الحديث عن الخطر السكاني حديث غير مشروع. تخيلوا ماذا كان سيحدث لو أُجري نقاش حول الزيادة الطبيعية المقلقة لليهود في الولايات المتحدة أو في أوروبا؟ ومن كان سيتجرأ على أن يُجري على رؤوس الأشهاد نقاشاً لمعدلات الخصوبة المرتفعة لدى الشرقيين؟ إن مجرد النقاش هو التهديد الخطر في الحقيقة. إنه يشهد بأنه قد تطورت عندنا معايير عنصرية عميقة جداً، تلفها أغطية مختلفة". لقد عمّم مركز "كيشف" (مركز حماية الديمقراطية في إسرائيل) بياناً صحفياً حول الحملة الإعلامية التي قادتها صحيفة "معاريف" في الصحافة الإسرائيلية مؤخراً ضد المواطنين العرب في إسرائيل بحجة "زيادة تطرفهم". والحقيقة أن فلسطينيي 48 وقياداتهم السياسية وأحزابهم، يتعرضون جميعاً إلى حملة تحريض مسعورة منذ انتفاضة الأقصى، ازدادت حدتها بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في ضوء مواقفهم المؤيدة للمقاومة اللبنانية، وأيضاً في ضوء الرؤية التي يطرحها فلسطينيو 48 أنفسهم حول جوهر وطبيعة الدولة العبرية، وهو ما تراه الدولة الصهيونية مصدر تهديد باعتباره بعثاً وإنعاشاً للفكر الفلسطيني العروبي. لذلك كله، كثر الحديث عن المشكلة الديمغرافية في إسرائيل، وهي في الحقيقة "تلطيف" لمخطط الترانسفير المعروف. ولأن إسرائيل ستفقد الغالبية اليهودية في غضون 15 إلى 45 عاماً، ظهرت إسرائيلياً دعوات الطرد الجماعي للعرب وازداد الجدل حول "المشكلة الديمغرافية" التي تهدد "يهودية الدولة". إذن، وجود فلسطينيي 1948 هو المستهدف استراتيجياً، ويبدو أن أجهزة الأمن الإسرائيلية وبقرار سياسي على أعلى المستويات، قد استنفرت تماماً بعدما تثبتت الدولة العبرية من تزايد التوجه القومي العربي وكذلك التوجه الإسلامي، أو على الأقل توجه فلسطينيي 1948 للخروج عن الوصاية "الإسرائيلية" وسعيهم للتفكير بمستقبلهم في بلدهم. من هنا، وقع على كاهل فلسطينيي 48 همٌّ كبيرٌ هو صياغة مشروع وطني ديمقراطي يضع أمام ناظريه (كعنوان) هموم الناس مع الحفاظ على الكرامة الوطنية. وهذا المشروع يتطلب جهداً فكرياً وعملياً، كما يتطلب حلولاً وسطاً وتعايشاً مع متناقضات لطالما تم رفضها، وتحسبها المؤسسة الصهيونية حلولاً وسطاً وتسامحاً من قبلها هي. وعلى سبيل المثال، فإن "اللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات" في إسرائيل تعمل على أن لا يمر أي انتهاك، أياً كان، مر الكرام، مثلما أنها تسعى لدمج النضال الجماهيري المحلي بالنضال الدولي، مع استخدام آليات تأثير جديدة. ففي مؤتمر صحفي عقدته يوم الثامن عشر من شهر سبتمبر المنصرم، بينت "اللجنة" الخطر المنهجي الذي تعاني منه الأقلية الفلسطينية بشكل عام، وأيضاً على مستوى قياداتها ومؤسساتها بمن في ذلك نواب عرب في الكنيست. ومن نماذج ذلك، ما جرى ويجري من ملاحقة وتجريم لعمل وقيادات وكوادر "الحركة الإسلامية" و"التجمع الوطني الديمقراطي" و"أبناء البلد"، وكذلك ملاحقة جمعيات أهلية وإغلاق بعضها بأمر إداري وتحقيقات "الشاباك" مع بعضها. الأهل في أراضي عام 1948 ينطبق عليهم عكس المثل الشعبي! فهم "إن أرادوا أكل العنب فعليهم مقاتلة الناطور"، كونهم أقلية ذات إرادة وحق وعدالة، ومطالبها مشروعة. وكما يقول جدعون ليفي: "خبراء السكان والجغرافيون ينشرون تنبؤات كثيرة، ويتنافسون فيما بينهم في مستويات التخويف. إن الحديث عن اتجاهات الخصب تنبعث منه رائحة نتنة، ووجود "مجلس عام للديمغرافيا"، أقامته الحكومة قبل عدة سنين، وكان بين أعضائه ثلاثة خبراء كبار... يشهد بمدى المرض الذي وصلنا إليه". وهو ما يؤشر عليه اسحق كلاين رئيس "المركز السياسي لإسرائيل" في صحيفة "هآرتس" بقوله: "من المغري تسويغ نقض حقوق جماعة من السكان لا يُشعر بالعطف عليها، لكن هذا النقض مدمر للحرية وللديمقراطية. يجب أن تكون القاعدة أنه لا مكان لنشاط حكومي يضاد المشاركين في الخطاب السياسي، أو المس بحقوق إنسان بسبب آرائه أو بسبب انتمائه الثقافي. يفترض أن يتتبع الشاباك الجواسيس والمخربين لا أن يوزع درجات الإخلاص على جماهير كاملة أو أن يحاول هندسة الخطاب السياسي المكشوف بوسائل سرية". من هنا، ومع كثرة الوثائق الشاملة التي تفضح وتدين بواطن ومظاهر العنصرية الرسمية وغير الرسمية في إسرائيل، بدءاً بالتشريعات القانونية ومروراً بالممارسة السياسية وانتهاءً بالتصريحات العدائية، فالمطلوب من الجميع في أراضي 1948، مؤسسات وجمعيات وأحزاب ولجان (وكذلك من منظمة التحرير الفلسطينية)، مضاعفة جهدها لتنظيم حملة إعلامية لنشر هذه الوثائق والعمل على ترويجها بشكل مكثف ومنهجي أمام الهيئات الدولية لتشكل مقدمة لطرحها على الأجندة الدولية. حيث يبدو أن هذا الجانب من المعاناة الفلسطينية الشاملة، يحتاج إلى الإضاءة المستمرة.